"يا عليّ، أنت وصيّي وإمام أمّتي، من أطاعك أطاعني، ومن عصاك عصاني".
قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ
"يا عليّ، أنت وصيّي وإمام أمّتي، من أطاعك أطاعني، ومن عصاك عصاني".
بسم الله الرحمن الرحيم
جرت حكمة الله تعالى على إرشاد الناس وهدايتهم عن طريق الرسل، وقد أُشير إلى وجه ذلك في خبر العباس بن عمر الفقيمي، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله علیه السلام، أنـّه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبتّ الأنبياء والرسل؟ قال: >إنـّا لَمَّا أثبتنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً، لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشروه، ويحاجّهم ويحاجّوه، ثبت أنّ له سفراء في خلقه يُعبّرون عنه إلى خلقه وعباده، ويُدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، والمعبّرون عنه جلّ وعزّ، وهم الأنبياء علیهم السلام وصفوته من خلقه، حُكماء مؤدّبين بالحكمة، مبعوثين بها غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شيء من أحوالهم، مؤيّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة. ثمّ ثبت ذلك في كلّ دهر وزمان ممّا أتت به الرسل والأنبياء من الدّلائل والبراهين؛ لكيلا تخلو أرض الله من حجّة يكون معه عَلَمٌ يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته<[1].
وعمدة هداية الرسل للبشر من طريق الخطاب[2]، ولذا اقتضت الحكمة البالغة أن يكون لسان كلّ رسول موافقاً للسان أمّته، فقال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[3]، ومن هنا علّل نزول القرآن باللغة العربية بمثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[4] و﴿إِنَّا جَعَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[5] أي تدركون، وقال تعالى: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾[6].
ثم إنّ الغاية من وضع اللغات _ وكما يشهد لذلك جميع الأعراف العقلائية _ ليس إلاّ التفهيم والتفهم، وقد نصّ على هذا المعنى في كلمات غير واحد من الأصوليين، وقرره العلامة الحلي (ت 726 هـ) بما يرجع إلى أنّ الإنسان بحاجة إلى الاجتماع والتمدّن، وعند الاجتماع يحتاج إلى التفهيم والتفهم، وأنفع الطرق اللغات[7]، ولشدّة وضوح هذه المسألة جعل المحقق عليّ النهاوندي (ت 1322 هـ) كون الغاية من الوضع التفهيم والتفهّم من البديهيات[8].
والشارع لم يَحِدْ في استعمال اللغة عن هذا الطريق، بل أكّده في جملة كبيرة من الأخبار الحاكية عن وجود واقع يحكي النصّ القرآني أو الروائي، وأنّ المطلوب من الطرف المقابل فهم حقيقة المقصود[9]، وإليك عرض لأهمّ هذه الطوائف مع ذكر نموذج لكلّ طائفة منها:
الطائفة الأولى: ما نهى عن التفسير بالرأي، وهو من أنحاء التحريف المعنوي، وهي أخبار كثيرة منها معتبرة الريّان بن الصلت عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علیهم السلام، قال: >قال رسول الله صلی الله علیه وآله: قال الله جلّ جلاله: ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي<[10].
وقال الشيخ الأنصاري: >المراد بالتفسير بالرأي إمّا حمل اللفظ على خلاف ظاهره أو أحد احتماليه؛ لرجحان ذلك في نظره القاصر وعقله الفاتر، ويرشد إليه المروي عن مولانا الصادق علیه السلام، قال في حديث طويل: وإنـّما هلك الناس في المتشابه؛ لأنـّهم لم يَقِفُوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلاً من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء فيُعرّفونهم<[11] [12].
وعلى الجملة، فإنّ نفس النهي عن التفسير بالرأي _ وهو عبارة عن تحميل القرآن معاني وقناعات شخصيّة التي لم يقم عليها دليل _ لأكبر شاهد على وجود حقيقة يبيّنها الكتاب، وهي المطلوب تحصيلها.
الطائفة الثانية: ما أمر بالاهتمام بالدراية وتفضيلها على الرواية، منها ما روي عن طلحة بن زيد، قال: >سمعتُ أبا عبد الله علیه السلام يقول: إنّ رواة الكتاب كثيرٌ، وإنّ رعاته قليلٌ، وكم من مستنصحٍ للحديث مستغشّ للكتاب، فالعلماء يحزنهم ترك الرّعاية، والجهّال يحزنهم حفظ الرّواية، فراعٍ يرعى حياته وراعٍ يرعى هلكته، فعند ذلك اختلف الرّاعيان وتغاير الفريقان<[13].
ومن النكات اللطيفة في هذا الخبر توصيف من يهتمّ بالدراية بأنـّه «يرعى حياته»، فالمتمسك بالدراية هو الذي ينال تلك الحياة الطيّبة، وقد قال الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ وَأنّه إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾[14].
الطائفة الثالثة: ما أمر بالتعرّف على معاني كلامهم علیهم السلام، كما ورد في رواية داود بن فرقد، قال: >سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: أنتم أفقه الناس إذا عرفتهم معاني كلامنا، إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب<[15].
الطائفة الرابعة: ما نهى عن التمسك بظهور الآيات والسنّة من دون الفحص عن المخصّص، كما في رواية عن سليم بن قيس الهلالي قال: >قلت لأمير المؤمنين علیه السلام: إنـّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث النبي صلی الله علیه وآله غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيتُ في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلی الله علیه وآله أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلی الله علیه وآله متعمّدين، ويفسّرون القرآن بآرائهم؟ قال: فأقبل عليّ فقال: قد سألتَ فافهم الجواب، إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعامّاً وخاصّاً، ومحكماً ومتشابهاً...<[16].
ومن هذا الباب ما أمر بردّ المتشابه إلى المحكم كما في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[17]، وعن الإمام الرضا علیه السلام أنـّه قال: >مَن ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم، ثم قال: إنّ في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن، ومحكماً كمحكم القرآن، فردّوا متشابهها إلى محكمها، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا<[18].
والأمر بالنظر إلى مجموع ما ورد في النصوص سواء على مستوى الكتاب أم السنّة، وردع الذين في قلوبهم زيغ الذين يأخذون بالمتشابه بعيداً عن المحكم، لشاهد بيّن على وجود مقاصد لا تنال إلاّ بتلك النظرة المجموعيّة.
الطائفة الخامسة: وهي أخبار متفرّقة تُخطّئ الراوي في فهم الحديث، وتبيّن حقيقة المقصود، وتخطئة الفهم ليس إلاّ باعتبار عدم وصول الراوي إلى حقيقة مقصود المتكلّم، كالذي رواه أبو بصير قال: >سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: إنّ الكذبة لتفطّرُ الصائم، قلتُ: وأيّنا لا يكون ذلك منه، قال: ليس حيث ذهبت، إنـّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله صلی الله علیه وآله وعلى الأئمة<[19].
ومن هنا، فالصحيح أنّ الاستعمالات مطلقاً سواء أكانت بلحاظ العرف العامّ أم أيّ عرف خاصّ، إنـّما الغرض منها تفهيم قصد معيّن للمتكلّم، وإن كان نظرنا إلى الشارع والمقنّن، فالغرض من الألفاظ واستعمالها في ضمن جمل تركيبية إفادة معاني خاصّة مقصودة للمتكلّم، فاللفظ حامل للمعنى، ويراد من الفهم استطراق المقصود من إنشائه، والمناط على المتكلّم وما قصده.
من المتفق عليه تقريباً أنّ المناط في كيفية تحصيل ظهور النصوص الشرعيّة ـ ومنها متون أخبار الآحاد ـ إنـّما يكون بضوابط عقلائية؛ باعتبار أنـّه لا دليل أقوى وأمتن على حجيّة الظواهر من سيرة العقلاء، ولم يظهر لنا أنّ الشارع كان ذا مسلك خاصّ في تبليغ تلك الظواهر.
نبّه الأصوليّون على أنّ المعتبر في حجيّة الظواهر هو الظهور العرفي زمن النصّ، وهذا ما يعبّر عنه في كلمات الشهيد الصدر بالظهور الموضوعي زمن النصّ[20]، ومن الدليل عليه الارتكاز العرفي على أنّ كلّ خطاب له ظهور واحد لا ظهورات عديدة نسبية بعدد الأفراد، لا سيّما في سيرة العقلاء مع مواليهم، وإلاّ لم يكن هناك قدرة للمولى على الاحتجاج على عبده بظاهر كلامه.
لا يخفى أنّ اللغة أشبه شيءٍ بالكائن الحيّ الذي يعرضه التبدّل والتغيّر، وذلك بسبب الظروف والمناسبات التي يريد أن يواكبها، فتجد أنّ لفظة السيارة ـ مثلاً ـ صارت تستعمل للآلة المخصوصة في هذه الأيام، بعدما كانت تستعمل فيما مضى للقافلة[21]. بل المسألة لا تتعلّق باللغة حصراً وما يطرئ عليها من تطورات؛ إذ من الواضح أنّ التفهيم والتفهم لا يعتمد حصراً على اللغة، بل كثيراً ما يعتمد على قرائن لفظية أو حالية أو ارتكازية، وهذه القرائن لها الدور الكبير في فهم النصّ، ومن هنا تجد اهتمام المفسرين بالتعرف على أسباب النزول.
والقرائن اللفظية عادةً ما تنقل في نفس النصّ، لكن قد يقع الإشكال في القرائن الارتكازية التي يعيشها أبناء العرف الخاصّ، فهذه القرائن الارتكازية لها دور كبيرة في بيان المقصود، وكثيراً ما تضيع بتغيّر الظروف ومرور الأيام، ومن هنا كان على الباحث الذي يريد فهم واقع المقصود أن يهتمّ بمسألتين رئيستين:
الأولى: مفاد الألفاظ زمن صدور النصّ.
الثانية: في القرائن المحيطة بهذا النصّ.
وإغفال هذين الأمرين يوجب الانفصال عن واقع النصّ، وقد التفت الأصوليّون لهذه المسألة، لكنّهم عالجوها ـ في الغالب ـ على أساس أصلين يدّعى وجودهما عند العقلاء، وهما أصالة عدم النقل وأصالة عدم القرينة، ونحن نعتقد أنّ إجراء هذين الأصلين فيه إلغاء عمليّ لدور الزمان والمكان في فهم النصّ، ولذا سوف نعقد مباحث هذه المقالة في ضمن بابين نبيّن فيهما حقيقة هذين الأصلين، وما يرد عليهما من إشكالات، مع بيان البديل الصالح لمراعاة لواقع النصّ وظرف صدوره.
قد عرفت أنّ موضوع الحجيّة عند الأعلام قديماً وحديثاً الظهور في عصر صدور النصّ لا في عصر الوصول، وجعل الظهور في عصر الوصول كاشفاً عن الظهور في عصر الصدور بحاجة في كثير من الأحيان إلى ضمّ أصالة عدم القرينة، ولذا جعل الشهيد الصدر استناد الأعلام على أصالة عدم النقل دليلاً على كون موضوع الحجيّة عندهم ظهور عصر الصدور كما في تقريرات بحثه[22].
ومما تقدّم تعرف أهمية البحث عن أصالة القرينة وحجيتها وموارد تطبيقها، وسوف نبحث هنا حول المهمّ من النكات المذكورة في كلمات الأعلام ـ بحسب ما وصل إليه نظري ـ في تقريبهم لأصالة عدم النقل، وإبداء إمكانية الاستعاضة عنها بما قد يسمّى بـ «اطراد الاستعمال»، ولا نخوض فيما يذكر من استثناءات لعدم إجراء تلك الأصالة.
هذا، وسوف نبحث هذه المسألة في نقطتين:
عبائر الأعلام عند بيان الدليل على حجيّة أصالة عدم النقل وإن كان فيها شيء من التشتت، إلاّ أنـّه يمكن إرجاعها بنظرةٍ فاحصةٍ إلى تخريجات ثلاثة:
ولعلّ هذا المعنى هو الأكثر تردداً في كلمات الأصوليين، حيث يجعلون أصالة عدم النقل من قبيل الأصول التعبّدية الراجعة للاستصحاب القهقري أو الاستصحاب المعكوس، والدليل على حجيّة هذا الأصل يمكن أن يقرّب بوجوه بعد وضوح عدم شمول أدلّة الاستصحاب الروائية؛ فإنّ قوامها تقدّم اليقين وتأخّر الشكّ[23]:
الوجه الأوّل: أنّ حجيته من باب حجيّة مطلق الظنّ، بدعوى أنّ الحجّة من الأصل والاستصحاب في المقام هو ما أفاد الظنّ بالوضع، ومعه فالوجه في الحجيّة ظاهر؛ لبناء الأمر في مباحث الأوضاع على الظنون؛ لانسداد طريق العلم فيها غالباً[24].
الوجه الثاني: أنّ حجيّة الاستصحاب القهقري في موارد احتمال النقل دليلها سيرة العقلاء[25].
أقول: أمّا بالنسبة لتخريج حجيّة الأصل في المقام من باب حجيّة مطلق الظنّ على الانسداد، فهو فرع الاعتراف بانسداد الباب وعدم وجود أصل عقلائي في المقام، وهو أوّل الكلام، وسوف تعرف ـ إن شاء الله تعالى ـ أنّ الباب غير منسدّ، ولو لم نقل بحجيّة أصالة عدم النقل.
وأمّا ما استدلّ به من السيرة العقلائيّة، فإن كان المقصود من ذلك أنّ العقلاء يعملون في المقام بأصالة عدم النقل كأصل تعبّدي، فجوابه عدم علمنا بوجود أصول تعبّدية عن العقلاء بهذا المعنى.
وإن كان المقصود أنّ السيرة العقلائية على العمل بأصالة عدم النقل من جهة الكاشفية، فلا بدّ أن يكون تقريبها بأحد الأمور التي ننقلها ـ إن شاء الله تعالى ـ في ضمن التخريج الثالث، الراجعة عادة لنكتة الغلبة كما هو الطبع العقلائي في كواشفهم، ومن غير الواضح أن تكون النكتة في ذلك ما يسمّى بالاستصحاب القهقرى، وسوف يأتي نقل عبارة عن المحقق العراقي تدفع هذا البيان.
وهو ما يمكن استظهاره من عبائر الشيخ المظفر في أصوله من إرجاعه أصالة عدم النقل إلى أصالة الظهور[26]، وهو غير واضح البتة؛ إذ لم نفهم كيفيّة إرجاع أصالة عدم النقل إلى أصالة الظهور، فلا يُقال: إنّ ظاهر المتكلّم عدم النقل؛ لأنّ النقل من شؤون عالم الوضع دون المراد؛ فإنّ أصالة عدم النقل تحدد كون المعنى المستظهر هو عين الموضوع له اللفظ سابقاً، يعني يلحظ فيها عالم الدلالة التصوريّة، وأصالة الظهور تحدّد المراد في عالم الدلالة التصديقيّة.
وقد يعبّر عنها بأصالة الثبات في اللغة أو تشابه الأزمان أو اتحاد العرفين، وكلّها معانٍ تشير إلى شيء واحدٍ، مع الالتفات إلى أنّ بعض هذه الإطلاقات، لا سيما التعبير بـ «أصالة تشابه الأزمان»، قد تُطلق على الاستصحاب القهقرى[27].
ولعلّ أفضل من بيّن استقلال هذا الأصل هو المحقق العراقي؛ فإنـّه قد ذكر على ما في موضع من تقريرات بحثه، وعند الحديث عن تصحيح علامة التبادر أنّ علامة التبادر لا تكاد تُجدي في مقام الاستنباط، إلاّ إذا انضمّ إليها أمر آخر، وهي أصالة عدم النقل المعبّر عنها بـ «أصالة تشابه الأزمان»، كي يثبت بها كون المعنى المتبادر في سابق الزمان أيضاً هو المعنى المتبادر عندنا، ولا مانع من إجراء الأصل المذكور بعد كونه من الأصول العقلائية المتداولة بينهم في محاوراتهم[28].
وما عبّر عنه المحقق العراقي بأصالة تشابه الأزمان، عبّر عنه الشهيد الصدر على ما في تقريرات بحثه بـ «أصالة ثبات اللغة أو الظهورات»، والثاني أعمّ من الأوّل؛ فإنـّه يدّعي أنّ أصالة الثبات لا تقتصر على الأوضاع اللغوية، بل تشمل الظهورات السياقية التركيبية غير الوضعيّة أيضاً[29].
أقول: هذا المعنى المذكور في كلمات هذين العلمين وجدته في ضمن عبائر المحقق النراقي (ت1245هـ)[30]، لكنّه ذكر أنّ دليله حينئذٍ أصالة عدم الاشتراك، وعدم النقل، وعدم تعدّد المعنى.
وعلى كلّ، فالملفت للنظر أنـّه وفي ضمن هذه العائدة قال: «وربما يستدلّ له تارةً ببعد تغيّر العرفين في ذلك الزمان القليل. وأخرى بالغلبة، أي الغالب في الألفاظ الجارية على ألسنة المتشرعة اتّحاد معناها المتبادر حينئذٍ مع معناها المتبادر في زمان الشارع. وثالثةً بكون ذلك طريقة العلماء وسيرة الفقهاء، بل كلّ أحد، فإنّا نراهم يحملون ألفاظ الكتب المصنّفة في أزمنة قبل هذا الزمان إلى زمان الشارع، على ما يفهمون منها في هذا الزمان»[31].
ثم شرع بمناقشة هذه الوجوه، والتعبير بـ «بُعد تغيّر العرفين والغلبة»، هو عين النكتة المذكورة في كلمات الشهيد الصدر.
وكيف كان، فهذا الوجه إنـّما يمكن قبوله على تقدير إثبات سيرة عقلائية أو متشرعيّة متصلة بزمن المعصومين علیهم السلام، وهو موقوف على إثبات تحقّق نقل في الألفاظ التي هي موضع ابتلائهم، مع كون السبب في اعتمادهم على ما يفهمونه في عصر الوصول ليس إلاّ إجراء أصالة عدم النقل التي توحيها ظاهرة الثبات في اللغة.
وفيه: أنّ الكلام في اللغة العربية، وقد كانت موضع ابتلاء عامّ لأبناء اللغة من العقلاء والمتشرعة في عصر الأئمة علیهم السلام، وللغة العربية ميزة عامّة لا سيّما في الأزمان القديمة؛ باعتبار أنّ الطبع العربي كان محافظاً على تراثه الأدبي إن كان النظر إلى سيرة العقلاء، وكان محافظاً على إرثه القرآني إن نظرنا إلى سيرة المتشرّعة، وهذا التحفظ على التراث يفتح الباب على نكتة أشار إليها المحقق النراقي وهي أنّ الحمل على الألفاظ لم يكن بلحاظ ما يفهم في عصر الوصول، بل باعتبار اطلاعهم على الاصطلاح والمعنى في عصر الصدور[32].
هذا، ويكفينا في الإشكال الشكّ في المقام، وإلاّ فالسيرة دليل صامت، وكما يمكن أن تكون ناشئة مما يذكر توهم الثبات، يمكن أن تكون ناشئةً من جهة الاطلاع على أوضاع اللغة زمن صدور النصوص الشرعيّة أو الأدبية، فلا يصح الاستدلال بمثل هذه السيرة على ما يسمّى بأصالة عدم النقل، لعدم العلم بوجود مثل هذه السيرة بين العقلاء.
ومن هنا فلم يتمّ لنا دليل على حجيّة أصالة عدم النقل.
الاطّراد لغةً بمعنى التتابع والجري، يقال: اطّرد الأمر إذا تبع بعضه بعضاً وجرى[33]، وأمّا اصطلاحاً فالاطّراد على عدّة أنواع يجمعها قولنا: «كلّما وجد اللفظ وجد المعنى». ونحن نقصد في هذه المقالة ما يطلق عليه اسم «اطراد الاستعمال» أي صحة استعمال اللفظ في المعنى ضمن استعمالات عديدة وموارد مختلفة، مع إلغاء ما يحتمل أن يكون قرينة على المجاز.
وبيانه: أنـّنا نريد استنباط معاني النصوص التي صدرت منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، فنقول: نريد من اطّراد الاستعمال شيوعه، فنستدلّ من شيوع الاستعمال من دون قرينة في معنى من المعاني على كون اللفظ موضوعاً للمعنى الشائع حقيقة، وما يذكر من أنّ صحة الاستعمال في المعنى المجازي غير موقوفة على وجود قرينة وإن كان صحيحاً، إلاّ أنـّه لا إشكال في اعتبار القرينة في مقام التفهيم، وغالب الاستعمالات تكون في هذا المقام، وإلاّ فلا يعقل كثرة الاستعمال في المعنى المجازي من دون قرينة؛ فإنّ تعلّق الغرض بالإبهام نادر الوجود وخلاف ما عليه بناء العقلاء؛ فإنّ الغاية الأولى للكلام ليست إلاّ الكشف عمّا في الضمير.
وهذه الطريقة قد اتبعها الفقهاء في استنباطاتهم، كما هو الحال عند بحثهم عن تحديد معنى «السؤر» وأنـّه مطلق ما باشره جسم حيوان أم خصوص البقية المأخوذ منها للشرب أو الأكل أو الوضوء[34].
وأيضاً ففي بحث الاستنجاء حيث ورد الحكم باستثنائه من الحكم بنجاسة ماء الغسالة، مع نصّ أهل اللغة باختصاص الاستنجاء بما لو كان التطهير لموضع الغائط بحيث لا يشمل البول، فيحكم بالتعميم للاستنجاء من البول عبر تتبع بعض استعمالات الأخبار، بحيث يستفاد تعارف إطلاق الاستنجاء على تطهير موضع البول[35].
وقد سلك بعض الفقهاء هذا الطريق؛ لتحقيق المراد من الآنية الواقعة موضوعاً لأحكام خاصّة كآنية الذهب والفضة ولزوم غسلها ثلاثاً عند إرادة تطهيرها[36].
وقد سلك هذا الطريق أيضاً في بحث الزكاة حيث يراد إثبات اختصاص كلمة المال الواردة في أخبار الصادقين علیهما السلام في خصوص ما كان متمحضاً بالماليّة، بحيث لا يشمل مطلق ما يتموّل به، فيُستفاد ذلك عبر تتبع الأخبار وانصراف خصوص النقدين عند إطلاق هذه اللفظة في كلمات الأئمة علیهم السلام وأصحابهم[37].
وقد ذكر الشيخ المظفر في حجيّة الظواهر عند الحديث عن طرق إثبات الظواهر أنّ أحد الطرق تتبع الباحث استعمالات العرب، فيعمل رأيه واجتهاده إذا كان من أهل الخبرة باللسان والمعرفة بالنكات البيانيّة[38].
وأقول: الطريق الأفضل والأمثل، بل المنحصر لمعرفة معاني الكلمات وما ينصرف إليها، تتبع استعمالات نفس الأخبار؛ فإنـّها تبيّن بنحو من الأنحاء الواقع اللغوي في تلك الأزمان.
نعم، اطّراد الاستعمال قد لا يثبت بنفسه الوضع، لكنّه بلا إشكال يحقق المعنى الظاهر مباشرة، وكنّا قد أشرنا في أوّل هذه المقالة أنّ المقصود الأساس من إجراء علامات الحقيقة تحصيل الظهور زمن النصّ، فإذا أمكن تحصيل ذلك الظهور مباشرة فلا حاجة لتحديد المعنى الحقيقي للفظ.
والمتحصّل: أنّ اطراد الاستعمال أو قل: تتبع استعمالات عصر النصّ ـ ومنها ما يذكر في كتب اللغة القديمة ـ في مفردة من المفردات يعطي المستنبط فهماً واضحاً للمعنى المنصرف إليه اللفظ زمن النصّ، وهذا كافٍ في مقام الاستظهار وإن لم نحرز كون المعنى المنصرف إليه اللفظ هو المعنى الحقيقي. وهذه العلامة هي الأولى بالاتباع ولو قبلنا بأصالة عدم النقل؛ لأنـّها المورثة للوثوق، بخلاف أصالة عدم النقل التعبدية إن أرجعناها إلى الاستصحاب القهقري أو المبتنية على عدم الشعور بالتغيّر الذي هو عبارة أخرى عن الغفلة على ما عرفت.
من المباحث التي اهتمّ بها في علم الأصول بيان دور القرينة في تكوّن ظهور الكلام، سواء أكانت القرينة متصلةً أم منفصلةً، وسوف نبيّن علاقة الزمان والمكان في استكشاف القرائن ودورها في الاستظهار في ضمن نقاط:
والقرينة مشتقّة من مادّة «قرن»، وهو أصل بأحد معنييه يدلّ على جمع شيء إلى شيء، ويقصد من القرينة في علم الأصول ما هو دخيل في تحديد المراد من الكلام، سواء أكان على مستوى المراد الاستعمالي كما في قرينة المجاز، أم على مستوى المراد الجدّي كما في قرائن الكنايات، أم على مستوى الحجيّة كما هو حال القرائن المنفصلة ـ على قولٍ ـ من تخصيص وتقييد وحكومة.
قد جاء في كلمات الأصوليين ذكر أقسام متعدّدة للقرينة، كتقسيمها إلى مقالية لفظية وإلى حالية أو ارتكازية، وتقسيمها إلى شرعيّة وعرفيّة وعقلية، وتقسيمها إلى متصلة ومنفصلة إلى غير ذلك من الأقسام، والسبب في اختلاف هذه التقسيمات الاختلاف في اعتبار القسمة، وما يهمنا في المقام تقسيم القرينة إلى لفظية وغير اللفظية.
والقرينة غير اللفظية قد تفهم من قرائن الأحوال والظروف المحيطة بالنصّ، أو من جهة الارتكازات العقلائية والمتشرعيّة والعقلية، ومن هذه القرائن ما يسمّى بمناسبات الحكم والموضوع، والقرينة السياقية، وهذه الأخيرة تعتبر من مبادئ ما يسمّى في علوم القرآن بـ «علم المناسبة».
المشهور بينهم كون الدلالة منقسمةً إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل: الدلالة التصوّريّة أو الظهور التصوّري، وهي عبارة عن العلقة الموجودة بين اللفظ ومعناه الحقيقي، وتسمّى بلحاظ آخر بـ «الظهور التصوّري»، فإنّ العقلة بين اللفظ والمعنى إن لوحظ فيها دلالة اللفظ على المعنى سميّت دلالة، وإن لوحظ فيها كون اللفظ مُظهراً لهذا المعنى تسمّى بالظهور التصوّري.
القسم الثاني: الدلالة التصديقيّة الأولى أو الظهور التصديقي الأوّل، ويشترط في تحقّق هذا الظهور التصديقي مضافاً إلى علم السامع بالوضع أن يكون المتكلّم قاصداً للمعنى مريداً لتفهيم المعنى.
القسم الثالث: الدلالة التصديقيّة الثانية أو الظهور التصديقي الثاني، ويشترط في هذا الظهور مضافاً إلى اعتبار كون المتكلّم قاصداً للمعنى مريداً لتفهيمه وإخطاره في ذهن المخاطب: أن يكون المتكلّم مريداً له جدّاً وحقيقةً، فيخرج كلام الهازل.
تعرّض الأصوليّون لمسألة وجوب الفحص في مواضع متعدّدة من أبحاثهم، أهمها ثلاثة:
المورد الأوّل: في عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص، وذكر المخصِّص في كلماتهم إنـّما ينبغي أن يكون مثالاً لمطلق القرينة، وإلاّ وكما سوف تعرف من سياق دليل وجوب الفحص الذي عمدته سيرة العقلاء، فلا يرى العقلاء فرقاً بين قرينة وأخرى في لزوم الفحص عنها.
المورد الثاني: في عدم جواز الرجوع إلى الأصول العملية قبل الفحص عن الأمارات.
المورد الثالث: في عدم العمل بالدليل قبل الفحص عن معارضه.
وما يهمّنا في المقام خصوص الأوّل، والثالث أيضاً إن قُصد من المعارض مطلقه، ولو كانت المعارضة غير مستقرّة، فيشمل الفحص عن الحاكم وقرينة التقييد والنصّ أو الأظهر الذي يكون قرينة على الظاهر.
وكيف كان، فقد ذهب الأكثر، بل ادّعي الإجماع على عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصِّص[39]، وقد ذهب إلى هذا القول كلّ من الشيخ الأنصاري[40] والآخوند[41] والمحقق النائيني[42] والعراقي[43] والأصفهاني[44] والسيد الخوئي[45].
بعدما عرفت من اتفاق كلمة الأصوليين على وجوب الفحص عن القرينة، فإذا حصل العلم أو الاطمئنان بعدم وجودها أو وجودها فبها، لكن ما الحكم في صورة الشكّ؟ شاع في كلماتهم التفصيل بين صور أربعة فإنّ الشكّ تارةً يكون في وجود القرينة وأخرى في قرينية شيء موجود، وتارةً يكون الشكّ في القرينة المتصل وأخرى في القرينة المنفصلة:
الصورة الأولى: ما لو شكّ في وجود قرينةٍ متصلةٍ، كما لو شُكّ في أنّ المتكلّم نسي نصب قرينة أو أنّ الناقل غفل عن نقلها.
والاحتمال الأوّل لا يتأتّى بالنسبة للمتكلّم المعصوم كما هو مورد البحث، والاحتمال الثاني منفي بوثاقة الراوي وعدم غفلته عن نقل القرائن، ويمكن تخريج مسألة تقطيع الأحاديث على هذا الأساس.
الصورة الثانية: ما لو شُكّ في قرينيّة شيءٍ متصل، كما لو فُقِدَ من الرسالة بعض الكلمات التي يُحتمل قرينيّتها على المقصود جدّاً، وفي مثل هذه الصورة يُحكم بالإجمال؛ باعتبار أنّ الظهور لا ينعقد إلاّ بلحاظ مجموع الكلام، فلو فُقد ما يُحتمل قرينيّته، لم يحرز أصل ظهور الكلام لكي يبحث عن حجيّته.
الصورة الثالثة: ما لو شكّ في وجود قرينةٍ منفصلة، كما لو شكّ في وجود مخصِّص منفصل وما شاكل ذلك، فهنا اتفقت كلمة الأصوليين على عدم الاعتناء بهذا الاحتمال بعد الفحص، لكن قد اختلف في بيان وجه ذلك، وهما راجعان إلى أحد وجهين:
الأوّل: الرجوع إلى أصالة عدم القرينة.
الثاني: الرجوع إلى أصالة الظهور ابتداءً: إمّا من جهة إنكار وجود ما يسمّى بأصالة عدم القرينة كما يأتي تقريبه، وإمّا من جهة أنّ الشكّ في وجود قرينةٍ منفصلةٍ ـ وكما تقدّم تحقيقه ـ في الحقيقة شكّ في وجود معارض للحجيّة؛ باعتبار أنّ القرينة المنفصلة لا تهدم الظهور التصديقي، بل هي معارضة للحجيّة ذي القرينة، ولا يرفع اليد عن الحجة المعلومة لمكان الحجة المشكوكة.
الصورة الرابعة: ما لو شُكّ في قرينيّة شيء منفصل، فظاهر جملةٍ من إطلاقات الأصوليين الحكم بالإجمال، ولا بأس به بناءً على أنّ القرينة المنفصلة هادمة للظهور التصديقي، ولا يتمّ بناءً على كون القرينة المنفصلة مانعة من الحجيّة، فإنّ الشكّ في قرينيّة المنفصل شكّ في وجود مانع، ولا يرفع اليد عن الحجة في قبال ما هو مشكوك الحجيّة.
قد عرفت أنّ الشكّ في وجود القرينة غير مانع من حجيّة الظاهر، وأنـّه في صورة الشكّ في وجود قرينة متصلة لم ينقلها الراوي يمكن رفع هذا الاحتمال من جهة الوثاقة المثبتة للراوي الرافعة لهذا الاحتمال، لكن هذا البيان لا يتأتّى بالنسبة للقرائن الارتكازية التي هي بحكم القرائن المتصلة.
وبيانه: أنّ القرينة المتصلة قد أُخذ عدمها في انعقاد أصل الظهور، وإلاّ فالظهور على طبق القرينة المتصلة؛ باعتبار أنّ القرينة المتصلة تهدم الظهور الاستعمالي، ويكون الحجة خصوص ما دلّت عليه القرينة.
ومن هنا فلو وقع الشكّ في قرينة متصلة سواء أكان بنحو الشكّ في وجودها أم الشكّ في قرينية شيء موجود، لا ينعقد ظهور للكلام من أساسه، وتقريره كما يفهم من عبارات الشهيد الصدر: أنّه في صورة احتمال القرينة المتّصلة يختلف التعامل معها على أساس اختلاف سبب الاحتمال، وهي ثلاثة:
الاحتمال الأوّل: أن يكون الاحتمال ناشئاً من احتمال السامع أنـّه غفل عن سماعها، فهنا لا يعتدّ بهذا الاحتمال؛ لأصالة عدم الغفلة.
الاحتمال الثاني: أن يكون الاحتمال ناشئاً من احتمال غفلة أو تقصير الراوي في نقل قرينة متصلة دخيلة في تكوين المراد الاستعمالي للكلام، فهذا الاحتمال منفي؛ لمكان وثاقة الراوي؛ فإنّ وثاقة الراوي وضبطه تقتضي أن ينقل لنا كلّ ما له دخيل في تكوين الظهور الاستعمالي.
الاحتمال الثالث: أن يكون الاحتمال ناشئاً لا من جهة تقصير الراوي، بل باعتبار عدم التفاته للقرينة المتصلة مع كون القرينة سنخ قرينة لا يلتفت إليها العرف العامّ، وهذا ما يحصل عادةً بالنسبة للقرائن الارتكازية التي هي بحكم القرائن المتصلة؛ فإنّ الراوي لا يرى نفسه ملزماً بنقل مثل هذه القرائن لمجتمعه بعد أن كانوا متوافقين في الارتكاز، وهنا لا يمكن نفي احتمال القرينة [46].
وبعبارة أخرى: وثاقة الراوي إنـّما تكون نافية لاحتمال القرينة في خصوص القرائن المحسوسة سواء أكانت لفظيّة أم حاليّة، فإنـّها التي يتوجه إليها الراوي بحيث يكون تركها على خلاف الأمانة والوثاقة، وأمّا لو احتملنا وجود قرائن ارتكازية عامّة كما في بعض مرتكزات المتشرّعة، كما هو الحال بالنسبة لصلاة الليل وأنـّها غير واجبة على غير النبي صلی الله علیه وآله، حيث نحمل جميع الأوامر في موردها وإن كانت مشدّدة على تأكّد الاستحباب، فلو احتملنا وجود مثل هذه القرينة في أحد الأخبار، فلا يمكن نفي هذه القرينة بما ذكر؛ لأنّ عدم نقل الراوي لها إلى مجتمعه ـ الذي عنده مثل هذا الارتكاز ـ لا يخالف الأمانة في النقل.
وإذا لم يكن هناك أصل لنفي مثل هذا الاحتمال فلا إشكال في تحقّق الإجمال؛ لأنـّه من موارد الشكّ في الظهور، فلا تجري أصالة الظهور وتوابعها.
إن عدت وقلت: فلننفي احتمال القرينة الارتكازية بأصالة عدم القرينة.
قلت: إن كان المقصود من أصالة عدم القرينة وجود أصل تعبّدي بهذا المعنى يرجع إلى الاستصحاب، فإنّ استصحاب عدم القرينة لا يثبت الظهور إلاّ بنحو الأصل المثبت.
وإن كان المقصود وجود أصل تعبّدي عند العقلاء، فمن المعروف أنّ الأصول العقلائية بأجمعها كواشف، ولا تعبّد عقلائي بوجود مثل هذا الأصل، ولا أقل من الشكّ.
وإذا كان الأمر كذلك، فسوف تقع المشكلة في صورة احتمال وجود قرائن ارتكازية، وتعارف نفيها بأصالة عدم القرينة غير مجدٍ كما عرفت؛ لعدم الدليل على مثل هذه الأصالة.
كلّ ما تقدّم في هذا الباب كان للوصول إلى هذه النقطة، أعني بيان أهمية القرائن المتصلة أو ما كان بحكمها في تحديد الظهور، وأنّ القرائن الارتكازية التي تساعدنا على فهم الخطاب لا أصل عقلائي لنفيها، بل لا بدّ استطراق واقع النصّ الصادر وظروف صدوره وطبيعة الرواة لفهم الظروف المحيطة بالنصّ.
قال الشيخ الأنصاري:
إنّ عمدة الاختلاف إنـّما هي كثرة إرادة خلاف الظواهر في الأخبار، إمّا بقرائن متصلة اختفت علينا من جهة تقطيع الأخبار، أو نقلها بالمعنى أو منفصلة مختفية من جهة كونها حالية معلومة للمخاطبين أو مقالية اختفت بالانطماس[47].
ولكي تتضح الفكرة جيّداً ـ أعني البديل عن أصالة عدم القرينة ـ نذكر جملة من النماذج المذكورة في كلمات فقهائنا الأعلام، وسوف نصنفها إلى أصناف:
من أهمّ ما يجب على الفقيه في مقام اصطياد القرائن الارتكازية المحيطة بصدور النصّ ملاحظة العصر والمحيط الذين صدرت الروايات فيهما، ويؤثر عن بعض الأعلام قوله: إنّ فقه الشيعة ونظراً إلى أنـّه يُلاحظ فيه آراء وأحكام أهل السنّة، فلذا ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار جهة الصدور في الروايات من حيث العوامل الزمانية والبيئية وسائر العوامل الأخرى حين الإفتاء[48].
ومن العلوم التي يمكن أن تحاكي هذه المسألة ما يسمّى بـ «علم أسباب صدور الحديث»، نظير البحث في القرآن الكريم حول أسباب النزول، إذ لا إشكال في أهمية التعرّف أسباب النزول في فهم الآيات، وقد قدّمه الزركشي (ت794 هـ) في كتابه البرهان، وبرر أهميّة البحث عن أسباب النزول بجملة من الأمور منها قوله: «الوقوف على المعنى، قال الشيخ أبو الفتح القشيري: بيان سبب النزول طريق قويّ في فهم معاني الكتاب العزيز»[49].
من المسائل التي يمكن أن يستكشف عن طريقها القرائن الارتكازية، ملاحظة عرف المسلمين بشكل عامّ، فينظر إلى طبيعة سلوكه العملي كقرينة على المقصود من بعض الأسئلة.
مثلاً: وقع الكلام بينهم في جواز بيع العين لمن يُعلم أنـّه يستخدمها في الحرام من دون وجود قصد للبائع في ذلك، فضلاً عن الاشتراط، كبيع العنب لمن يُعلم أنـّه يصنعه خمراً، فهل يجوز ذلك فيما لو لم يقصد البائع أن يصنعها المشتري خمراً؟ اختلفت الأخبار في هذه المسألة[50].
ونقل الشيخ الأنصاري دعوى الجمع بين هذه الأخبار بحمل المانع على صورة الاشتراط أي اشتراط أن يصنع صليباً في ضمن البيع أو على التواطئ والاتفاق، فيقصد البائع من البيع أن يصنعه المشتري صليباً، بخلاف ما ورد في بيع العنب حيث لا شرط ولا قصد في البين، وعلّق على هذا الجمع بقوله: «إنّ هذا في غاية البعد؛ إذ لا داعي للمسلم على اشتراط صناعة الخشب صنماً في متن بيعه أو في خارجه، ثمّ يجيء ويسأل الإمام علیه السلام عن جواز فعل هذا في المستقبل وحرمته»[51].
هذا، ولكنّ الشيخ الأنصاري لم يمانع من حمل بعض الأخبار على مؤاجرة البيت لبيع الخمر فيه، بدعوى أنّ الفرق بين هذا وبين بيع الخشب على أن يُعمل صليباً أو صنماً: «لا يكاد يخفى؛ فإنّ بيع الخمر في مكانٍ وصيرورته دُكّاناً لذلك منفعة عرفيّة يقع الإجارة عليها من المسلم كثيراً كما يؤجرون البيوت لسائر المحرّمات، بخلاف جعل العنب خمراً والخشب صليباً، فإنّه لا غرض للمسلم في ذلك غالباً يقصده في بيع عنبه أو خشبه، فلا يحمل عليه موارد السؤال»[52].
من الأمور التي يستخدمها الفقهاء في تحديد القرائن الارتكازية الاتكال على الانصراف الناشئ من الملابسات التي تحيط بمكان سكنى الراوي.
مثلاً: تعرّض الفقهاء في كتاب الطهارة لتحديد «الكرّ» عن طريق الوزن أعني الرطل، فالرطل نوع معيار يوزن به، يختلف حاله باختلاف الأعراف والبلدان، وقد اختلفت الأخبار في بيان مقداره، فحمل بعض الأعلام كلّ حديث على عرف السائل[53].
قد تُجعل خصائص الراوي قرينة على تفسير النصّ، وبيانه كما يصنعه بعض الفلاسفة في توجيه الأخبار التي تتنافى مع مذاهبهم، كالأخبار الناهية عن النظر في صفات الله تعالى، بحملها على ضعف القابل وأنـّها في مقام تحديد ما ينبغي صنعه لعامّة الناس[54].
وقد تُجعل خصائص الراوي المتهم بالغلو ـ مثلاً ـ قرينةً على عدم صدور بعض الأخبار التي اختصّوا بروايتها، كما هو حال الأخبار المسقطة لحجيّة ظواهر الكتاب الكريم، بدعوى أنّ رواة تلك الأخبار توجد ظاهرة مشتركة فيما بينهم، هي ظاهرة الباطنية، ومحاولة تحويل النّظر من ظاهر الشريعة إلى باطنها[55].
لا يخفى على ملاحظة الأخبار المروية عن الأئمة علیهم السلام يجد أنّ الغالب فيها كونها جوابات عن أسئلة معيّنة طرحها الرواة، وطبيعة الأسئلة التي تصدر في بيئة معيّنة تعكس طبيعة الاهتمامات لتلك الطائفة، وعادةً ما تكون الأسئلة أسئلة واقعيّة فتعكس مشكلة علميّة نظريّة كما يقع في حدود طلاّب العلوم أو عملية كما هو الغالب بين عامّة الناس.
ومن هنا يمكن أن يقال بأنّ السؤال يعكس عادةً المسائل الابتلائية في عصر النصّ، وإن أمكن أن يعكس بعض الوقائع الخاصّة التي لا تصل إلى ذلك الحدّ من العموم كما ورد في موت إمام الجماعة أثناء الصلاة[56]، ومن هنا كانت أهمية فهم الأسئلة وطبيعتها في مقام فهم النصوص، وبغض النظر عمّا ذكره الشيخ الآخوند من جعله القدر المتيقّن في مقام التخاطب مانعاً من التمسك بالإطلاق[57].
ومما يمكن جعله مثالاً في المقام مسألة نجاسة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فقد ورد في جملة من كلمات المتقدمين تبعاً لظاهر جملة من الأخبار الحكم بنجاستهم، لكن هذه الأخبار قد يفهم منها شيء آخر فيما لو كان ركّز النظر على الأسئلة المطروحة من قبل الرواة، فقد روي مثلاً عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قلت للرضا علیه السلام: الجارية تخدمك، وأنت تعلم أنـّها نصرانية لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة، قال: «لا بأس، تغسل يديها»[58].
ولو كانت الجارية نجسة فما حاجة السائل إلى توصيفها بعدم الوضوء والاغتسال؟ وما فائدة غسلها يدها؟ بل هذا السؤال كاشف عن عدم المشكلة الذاتية مع النصرانية، وأنّ المشكلة بلحاظ العوارض.
وقس عليها جملة من الأخبار الأُخر التي وقع فيها السؤال بلحاظ ابتلاء بعض أهل الذمّة بأكل لحم الخنزير وشرب الخمر كما في رواية عبد الله بن سنان قال: >سأل أبي أبا عبد الله علیه السلام وأنا حاضر: إنـّي أعير الذمّي ثوبي، وأنا أعلم أنـّه يشرب الخمر يأكل لحم الخنزير، فيردُّ عليَّ، فأغسِلُه قبل أنْ أُصلّي فيه؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام: صلِّ فيه، ولا تغسله من أجل ذلك؛ فإنـّك أعرته إيّاه وهو طاهر، ولم تستيقن أنـّه نجسه، فلا بأس أن تصلي فيه حتّى تستيقن أنـّه نجسه<[59].
ومن هنا علّق السيّد الخوئي على هذه الأحاديث فقال: >وعلى الجملة: إنّ القاعدة تقتضي العمل بأخبار الطهارة، وحمل أخبار النجاسة على الكراهة واستحباب التنزه عنهم، كما أنّ في نفس الأخبار الواردة في المقام دلالة واضحة على ارتكاز طهارة أهل الكتاب في أذهان المتشرعة في زمانهم علیهم السلام، وإنـّما كانوا يسألونهم عن حكم مؤاكلتهم أو غيرها؛ لأنـّهم مظنة النجاسة العرضية، فمن هذه الأخبار صحيحتا إبراهيم بن أبي محمود المتقدِّمتان المشتملتان على قوله: «وأنت تعلم أنـّها نصرانية لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة» وقوله: «وأنت تعلم أنه يبول ولا يتوضأ»؛ لأنّ أهل الكتاب لو لم تكن طهارتهم مرتكزة في أذهان المتشرعة لم يكن حاجة إلى إضافة الجملتين المتقدمتين في السؤال؛ لأنّ نجاستهم الذاتية تكفي في السؤال عن حكم استخدامهم وعملهم من غير حاجة إلى إضافة ابتلائهم بالنجاسة العرضية<[60].
وقد جعل الشهيد الصدر استكشاف مثل هذا الارتكاز قرينة عكسية مانعةً من حجيّة الإجماع، فذكر أنّ من شرائط حجيته أن لا توجد قرائن عكسية تدلّ على أنـّه في عصر الرواة والمتشرعة المعاصرين للأئمة علیهم السلام لا يوجد ذلك الارتكاز والرؤية الواضحة اللذين يراد اكتشافهما عن طريق إجماع الفقهاء المتقدّمين[61].
فهم المقصود من موضوع من موضوعات الأحكام الشرعيّة قد يكون مرتبطاً بالظروف المحيطة بذلك الموضوع، مثلاً: أجاز الشيخ الصدوق الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد[62]، ولم يصرح في كتبه بمستند هذه الفتوى، وما يصلح أن يكون مستنداً له رواية في الكافي[63]، وبغض النظر عمّا وقع في كلمات بعضهم من النقاش السندي أو دعوى الإعراض، فإنّ الكلام ينبغي أن يصبّ حول دلالة هذا الحديث، وما هو المقصود من «ماء الورد»، فإنّ فيه احتمالات ثلاثة:
الأولى: الماء المعصور من الورد، وهذا الماء لا إشكال في كونه من أقسام الماء المضاف، لكن لا يبتلى فيه عادةً في هذه الأزمنة فضلاً عن تلك الأزمنة، فهو من الفرد النادر الذي ينصرف الكلام عنه.
الثانية: الماء المقطّر من الورد، وهذا قد يدّعى بكونه مصداقاً من مصاديق الماء المطلق، وفيه تأمّل، بل الأظهر كونه من مصاديق الماء المضاف، ويمكن أن يبتلى به في زمن النصّ.
الثالثة: أن يُراد من ماء الورد الماء الذي ألقي فيه الورد فتغيّرت رائحته، فهذا لا يخرج عن كونه من مصاديق الماء المطلق، وإضافته إلى الورد من باب بيان الرائحة.
وهذا الأخير إن لم يكن هو الفرد المتعارف، فلا أقلّ من كونه فرداً متعارفاً زمن النصّ، بحيث لا يمكن صرف الحديث عنه حيث كانوا ينبذون في المياه شيئاً يذهب سوء رائحته أو ملوحة طعمه، وقد ورد ما يناظره في تحديد مفهوم «النبيذ» وأنـّه لا يقصد منه النبيذ المسكر، بل ما ينبذ فيه الزبيب أو البسر أو التمر ليتغيّر طعمه، وقد عقد في الكافي باباً لهذا المعنى تحت عنوان: «باب النبيذ»[64].
وملاحظة هذه الأمور عند فهم النصّ تقرّب البحاث من الظروف الزمانية والمكانية التي صدرت فيها النصوص، وبالتالي يكون أقرب إلى فهم واقع مقصود المتكلّم.
1. موضوع البحث في هذه المقالة حول مدى لزوم مراعاة الظروف الزمانية والمكانية عند إرادة استنباط الأحكام الشرعيّة، ودخالتها في فهم النصّ، وارتباطها بموضوع ومتعلّق الحكم ونفس الحكم.
2. المقصود من الزمان والمكان في هذه الرسالة الظروف والوقائع والمتغيرات التي تحدث وتختلف بلحاظ الزمان والمكان، فالمقصود ما يلازمهما لا نفسهما.
3. موضوع حجيّة الظواهر ليس إلاّ الظهور الموضوعي زمن النصّ، فلا بدّ من تحصيل كون اللفظ الظاهر في معنى في هذا الزمان كان ظاهراً في نفس ذلك المعنى زمن النص، وإلاّ فالعبرة بظهور زمن النص.
4. الأنسب في تحديد ما يتبادر من معنى اللفظ في عصر النص اتباع طريق آخر لا يتكئ على التبادر الوجداني وأصالة عدم النقل، بل على ما يسمّى باطّراد الاستعمال، حيث تتبع الاستعمالات زمن النصّ بغية اكتشاف ما يتبادر من اللفظ في ذلك الزمان.
5. تحديد الظهور متوقف على ملاحظة القرائن سواء أكانت من قبيل القرائن المتصلة الدخيلة في تحديد الظهور التصديقي الأوّل، أم من قبيل القرائن المنفصلة الدخيلة في تحديد المراد الجدي أو الحجة من المراد على الاختلاف بين العلماء.
6. من أشكل المسائل القرائن الارتكازية باعتبار عدم إمكان نفيها، بعد التشكيك في وجود أصل تعبّدي بعنوان أصالة عدم القرينة، ومن هنا نحتاج إلى الفحص الأكبر حول الظروف الزمانية والمكانية لصدور النصّ لاستبيان وجود أو نفي مثل هذه القرائن.
7. من الطرق التي يمكن ملاحظتها لتحديد القرائن الارتكازية ملاحظة الظرف الفقهي الذي صدر فيه النص، وعرف المسلمين وتوجهاتهم العامة، ومحل سكناه، وخصوصيات الراوي، والتأمّل في الأسئلة ما تعكسه من ارتكازات، وطبيعة الموضوع وظروف عصر النص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج 1، ص 168. ولاحظ: الشيخ محمد بن عليّ بن بابويه القمي، علل الشرائع، ج 1، ص120، وهذا مقطع من حديث طويل رواه الشيخ محمد بن عليّ بن بابويه القمي بتمامه في التوحيد ص 243، باب 36 «باب الردّ على الثنوية والزنادقة» ح 1.
[2] والطريق الآخر اتخاذهم أسوة في أفعالهم فضلاً عن أقوالهم، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾.
[3] إبراهيم، 4.
[4] يوسف، 2.
[5] الزخرف، 3.
[6] فصلت، 3.
[7] الشيخ حسن بن يوسف بن المطهر الحلي، نهاية الوصول إلى علم الأصول ج 1، ص 148.
[8] الشيخ عليّ بن فتح الله النهاوندي، تشريح الأصول ص 25.
[9] في قبال ما قد يّدعى من أنّ للنصّ هوية مستقلّة عن مؤلّفه، فلا يقصد من تفسير النصّ وبيانه الوصول إلى مقصدٍ معيّن، بل كلّ مفسّر له أن يُسقط انطباعه الخاصّ على ذلك المضمون من دون أن يكون له أي حجة نوعيّة على هذا الفهم أو ذاك، وهو ما يفتح الباب على عدم إمكان توصيف الفهم بالصحة والخطأ؛ إذ لا يوجد شيء وراء الكلام كي يقصد كشفه، بحيث إن أصابه كان صحيحاً وإن أخطأه كان مخطئاً.
[10] الشيخ محمد بن عليّ بن بابويه، الأمالي ص 6، وقد روي هذا المضمون وما يناظره في مصادر متعددة، ينظر: التفسير المنسوب للإمام العسكري ص 14 و15، ومحمد بن مسعود العياشي، تفسير العياشي ج 1، ص 17 و18، والشيخ محمد بن عليّ بن بابويه، التوحيد ص 91، وكمال الدين وتمام النعمة ج 1، ص 257، ومحمد بن محمد الشعيري، جامع الأخبار ص 49.
[11] الشيخ محمد بن الحسن العاملي، وسائل الشيعة ج 27، 200 و201، باب 13 من أبواب صفات القاضي ح 62، ولا يوجد فيه قوله: «فيعرّفونهم»، وهذا الحديث عن رسالة المحكم والمتشابه للمرتضى نقلاً من تفسير النعماني، ولاحظ: الشيخ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار ج 90، ص 12 حيث لم يرد فيه أيضاً هذه الكلمة.
[12] الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول ج 1، ص 142 و143.
[13] الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ج 1، ص 49.
[14] الأنفال، 24.
[15] الشيخ محمد بن عليّ بن بابويه القمي، معاني الأخبار ص 1.
[16] الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ج 1، ص 62.
[17] آل عمران، 7.
[18] الشيخ محمد بن عليّ بن بابويه القمي، عيون أخبار الرضا علیه السلام ج 1، ص 290.
[19] الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ج 2، ص 340، ولاحظ: محمد بن مسعود العياشي، تفسير العياشي ج 1، ص 197، الشيخ محمد بن عليّ بن بابويه القمي، معاني الأخبار ص 157، وص 254.
[20] ينظر: السيّد محمود الهاشمي، بحوث في علم الأصول تقريرات بحث السيّد محمد باقر الصدر ج 4، ص 291 وما بعدها، والسيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول الحلقة الثالثة ص 189 وما بعدها.
[21] إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح ج 2، ص 692.
[22] السيد كاظم الحائري، مباحث الأصول القسم الثاني _ تقريرات بحث الشهيد الصدر ج 2، ص 188.
[23] ينظر: الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الأصول تقريرات بحث الشيخ النائيني ج 4، ص 316 و317.
[24] ينظر: الشيخ محمد تقي الأصفهاني، هداية المسترشدين ج 1، ص 226.
[25] السيد محمد سرور البهسودي، مصباح الأصول المطبوع ضمن الموسوعة _ تقريرات بحث السيّد الخوئي ج 48، ص 9.
[26] ينظر: الشيخ محمد رضا المظفر، أصول الفقه مج 1، ص 75 و76، تحت عنوان >الأصول اللفظيّة<.
[27] ينظر: أبو القاسم كلانتري، مطارح الأنظار تقريرات بحث الشيخ الأنصاري ج 4، ص 13.
[28] الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الأفكار تقريرات بحث المحقق العراقي ج 1، ص 67.
[29] ينظر: السيّد محمود الهاشمي، بحوث في علم الأصول تقريرات بحث السيّد محمد باقر الصدر ج 4، ص 293.
[30] الشيخ أحمد بن محمد النراقي، عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام ص 589.
[31] نفس المصدر، ص 589 و590.
[32] نفس المصدر، ص 591 و592.
[33] ينظر: أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة ج 3، ص 455.
[34] الشيخ رضا بن محمد الهمداني، مصباح الفقيه ج 1، ص 353.
[35] ينظر: السيد مصطفى الخميني، كتاب الطهارة ج 2، ص 128.
[36] ينظر: السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى ج 2، ص 173 و174.
[37] ينظر: السيّد محمود الهاشمي، بحوث في الفقه _ كتاب الزكاة ج 1، ص 20 _ 23.
[38] الشيخ محمد رضا المظفر، أصول الفقه مج 2، ص 146، تحت عنوان >طرق إثبات الظواهر<.
[39] ينظر: الشيخ محمد حسين بن عبد الرحيم الأصفهاني، الفصول ص 200.
[40] أبو القاسم كلانتري، مطارح الأنظار تقريرات بحث الشيخ الأنصاري أبو القاسم كلانتري، مطارح الأنظار تقريرات بحث الشيخ الأنصاري ج 2، ص 157.
[41] الشيخ محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول ص 265.
[42] الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الأصول تقريرات بحث الشيخ النائيني ج 2، ص 539، والسيد أبو القاسم الخوئي، أجود التقريرات ج 2، ص 352.
[43] الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الأفكار تقريرات بحث المحقق العراقي ج 2، ص 529.
[44] ينظر: الشيخ محمد حسين الأصفهاني، نهاية الدراية ج 2، ص 464.
[45] الشيخ محمد إسحاق الفياض، المحاضرات المطبوع ضمن الموسوعة _ تقريرات بحث السيّد الخوئي ج 46، ص 408.
[46] السيّد محمود الهاشمي، بحوث في علم الأصول تقريرات بحث السيّد محمد باقر الصدر ج 4، ص 270.
[47] الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول ج 4، ص 130.
[48] هو السيد حسين البروجردي ت1380هـ، والعبارة المنقولة بحسب النصّ الفارسي هي: >فقه شيعه به گونه حاشيه بر فقه عامه محسوب مىشود وبدون اطلاع از فقه عامه محسوب مىشود وبدون اطلاع از فقه عامه استنباط درست ميسور نيست وبسيارى از احاديث ائمه ناظر به مذاهب وكلمات آنان است<. انظر: رضا مختارى، >ميراث فقهي _ غنا وموسيقى<، مجلة فقه أهل البيت- فارسى، العدد 9، ص205.
[49] محمد بن بهادر الزركشي، البرهان في علوم القرآن ج 1، ص 117.
[50] الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ج 5، ص 226، و231، و232.
[51] الشيخ مرتضى الأنصاري، كتاب المكاسب ج 1، ص 131.
[52] نفس المصدر، ص 125.
[53] ينظر: الشيخ محمد باقر المجلسي، مرآة العقول ج 13، ص 15.
[54] ينظر: الشيخ صدر الدين الشيرازي، شرح أصول الكافي ج 3، ص 132، والسيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن ج 19، ص 54 و55.
[55] ينظر: السيّد محمود الهاشمي، بحوث في علم الأصول تقريرات بحث السيّد محمد باقر الصدر ج 4، ص 285، والسيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول ج 1، ص 305.
[56] الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ج 3، ص 383.
[57] الشيخ محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول ص 247 و248.
[58] الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام ج 1، ص 399.
[59] الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام ج 2، ص 361.
[60] الشيخ علي الغروي، التنقيح المطبوع ضمن الموسوعة _ تقريرات بحث السيّد الخوئي ج 3، ص 50.
[61] ينظر: السيّد محمود الهاشمي، بحوث في علم الأصول تقريرات بحث السيّد محمد باقر الصدر ج 4، ص 316.
[62] كما عن الفقيه والهداية والأمالي على ما ذكره السيد محمد جواد العاملي، مفتاح الكرامة ج 1، ص 259، ونقل عن الخلاف قوله: <ذهب قوم من أصحاب الحديث إلى أنّ الوضوء بماء الورد جائز.
[63] الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ج 3، ص 73.
[64] نفس المصدر، ج 6، ص 415.