قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ

"يا عليّ، أنت وصيّي وإمام أمّتي، من أطاعك أطاعني، ومن عصاك عصاني".

 بيان معنى «النّصيحة لأئمّة المسلمين» في خطبة النبيِّ (ص) بمسجد الخيف

2022/11/08 

بيان معنى «النّصيحة لأئمّة المسلمين» في خطبة النبيِّ (ص) بمسجد الخيف
الشيخ إبراهيم جواد

بسم الله الرّحمن الرّحيم

بيان معنى «النّصيحة لأئمّة المسلمين» في خطبة النبيِّ (ص) بمسجد الخيف

 روى ثقة الإسلام الكلينيّ بسندٍ صحيحٍ: عدّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى‏، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصرٍ، عن أبان بن عثمان، عن ابن أبي يعفورٍ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله خطب النّاس في مسجد الخيف، فقال: «نضّر اللهُ‏ عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها، وبلّغها من لم يسمعها؛ فرُبَّ حامل فقهٍ غير فقيهٍ، ورُبَّ‏ حامل فقهٍ إلى‏ من هوأفقه منه. ثلاثٌ لا يَغِلُّ عليهنَّ‏ قلبُ امرئٍ مسلمٍ: إخلاص العمل لله، والنّصيحة لأئمّة المسلمين‏، واللّزوم لجماعتهم؛ فإنّ دعوتهم محيطةٌ من ورائهم‏. المسلمون‏ إخوةٌ تتكافأ دماؤهم، ويسعى‏ بذمّتهم‏ أدناهم»[1].

 وقد حدّد النبيُّ -صلّى الله عليه وآله- في هذا الحديث ثلاث وظائف للمسلم إحداها «النّصيحة لأئمّة المسلمين»، وقد يُتوهّم أنّ المراد من النّصيحة هو تقديم الرّأي والمشورة للحكّام المسلمين، إلّا أنّ هذا القول غير صحيح، بل المعنى الصّحيح: أنّ النّصيحة في هذا الحديث تعني الإخلاص والانقياد والطّاعة لأئمّة المسلمين وهم الأئمّة من أهل البيت (عليهم السّلام).

 أولاً: المعنى اللّغويّ للنّصيحة.

وهي في اللّسان العربيّ بمعنى الخلوص كما نصّ عليه اللغويّون، ومنهم:

1- إسماعيل بن حمّاد الجوهريّ في صحاحه، قال: (وكلّ شيءٍ خَلُص فقد نصح)[2].

2- ابن سيده في كتابه (المحكم والمحيط الأعظم): (نصح الشيء: خلص.. والنّصح نقيضُ الغشّ)[3].

3- ابن منظور في كتابه (لسان العرب): (وكل شيء خلص فقد نصح)[4].

فالأصل في تفسير النّصح هو خلوص الشيء، والنّصيحة هي الإخلاص، وقد نصّ على هذا ابن الأثير فقال: (وأصل النّصح في اللّغة: الخلوص)[5].

ونقيض النّصح هو الغشّ والخيانة، قال ابن فارس: (النصح من قولك نصحته أنصحه، وهو خلاف الغشّ)[6]، وكذلك ابن سيده في عبارته المتقدّمة.

ومن هذا الأصل تتفرّع استعمالات عديدة، منها قولهم: ناصح الجيب أي ناصح القلب[7]، وعسلٌ ناصحٌ أي خالصٌ من الشوائب[8]، وتوبة نصوح أي خالصةٌ ليس فيها خرق أو ثلمة[9]، ومن هنا قال الشيخ المصطفويّ: (والتحقيق: أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو الخلوص من الغشّ، فهو يقابل الغشّ، سواءً كان في موضوعٍ أو قولٍ أو عملٍ أو في أمر معنويّ. وأمّا الخلوص فيُلاحظ فيه التصفية عن الشّوب، فهو إنّما يتحصّل بعد التنقية والتصفية. ومن مصاديقه في الموضوع: كالعسل النّاصح الخالص ليس فيه غشّ. وفي المعنويّ: كالتّوبة النصوح إذا كانت صادقةً خالصةً. وفي العمل: كالخدمة والتبليغ في الله بخلوص وصدق. وفي القول: كإبلاغ الأحكام وذكر الحقائق الإلهيّة. فيُلاحظ في كلّ منها كونه في نفسه خالصاً ليس فيه غشّ)[10].

 ثانياً: بيان معنى النّصيحة في الحديث الشّريف

ويتّضح مما تقدّم أنّ المراد من النّصيحة لأئمّة المسلمين هو الإخلاص لهم بما يترتّب عليه من السّمع والطّاعة والانقياد وعدم الخيانة والغشّ، ويدلّ على ذلك ما ذكرناه من المعنى اللّغويّ للمفردة، ويؤيده ما جاء في سياق الحديث من قوله -صلّى الله عليه وآله-: «لا يغلّ عليهن قلب امرئ مسلم»، والغلّ هو الغشّ والخيانة المنافيان للإخلاص، فالمُغلّ هو الخائن[11]، ومن هنا يُعلم أنّ مقتضى سلامة قلب المسلم منهما أن يكون مخلصاً لله ورسوله وأئمّة المسلمين، غير غاشٍّ ولا خائنٍ لهم.

ويؤيّد ما قلناه أيضاً استعمالُ هذه المفردة في القرآن والحديث بهذا المعنى، ومن ذلك قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى المرْضَى وَلَا عَلَى الذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ)[12]، ومن الواضح أنّ تفسير النّصيحة هنا بمعنى تقديم الرّأي والمشورة غير صحيحٍ؛ إذ لا يجوز افتراضه بالنّسبة إلى الله تبارك وتعالى، فينبغي أن يكون هذا منبّهاً على بطلان تفسير تلك العبارة بذلك المعنى.

ومن ذلك أيضاً: ما ورد في زيارة سيّدنا العباس -عليه السّلام-: (أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنّصيحة لخَلَف النبيِّ -صلى الله عليه وآله -المرسل والسّبط المنتجب)[13].

ومن ذلك: قول أمير المؤمنين -عليه السّلام- في كتابه إلى محمّد بن أبي بكر في كلامٍ له يصف مالكاً الأشتر النّخعيّ: (إنّ الرجل الذي كنت وليّتُه أمر مصر كان لناً رجلاً ناصحاً، وعلى عدوّنا شديداً ناقماً، فرحمه الله، فلقد استكمل أيّامه ولاقى حِمامه ونحن عنه راضون)[14]، وفي كتابٍ له إلى عبد الله بن العبّاس يصف فيه محمّد بن أبي بكر: (أمّا بعد، فإنّ مصر قد افتتحت، ومحمد بن أبي بكر رحمه الله قد استشهد، فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً، وعاملاً كادحاً، وسيفاً قاطعاً، وركناً دافعاً)[15]، فهذه العبارات تصف إخلاص سيّدنا العبّاس -عليه السّلام- لسيّد الشهداء صلوات الله عليه، وإخلاص مالك الأشتر ومحمّد بن أبي بكر لأمير المؤمنين عليه السّلام، والتّقابل في الصّفات من قبيل قوله: (كان لنا رجلاً ناصحاً، وعلى عدوّنا شديداً ناقماً) يؤيّد هذا المعنى، فهو ممدوح بإخلاصه وانقياده لإمامه، ومخالفته ونقمته على عدوّ إمامه. كما أنّ المقام ليس مقام مِدحةٍ بأنّهما كانا يقدّمان المشورة والرّأي، بل السّياق يبيّن أنّه في مقام مدح كونهما من أهل الطّاعة والانقياد.

وفي رواية بشير الكناسيّ عن الصّادق (عليه السّلام): (وإن عليّاً عليه السلام كان عبداً ناصحاً لله عزّ وجلّ فنصحه، وأحبّ الله عز وجل فأحبّه)[16]، ومن المؤكّد أنّ نصيحة أمير المؤمنين عليه السّلام لله هي إخلاصه له في العبوديّة والطّاعة، وليس المراد هو تقديم النّصائح والمشورة في الرّأي.

وفي صحيحة بريد بن معاوية عن الصّادق (عليه السّلام) في أدب المصدّق -وهو عامل الصّدقات-: (فإنّ ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك،ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبُعِثْتَ في حاجته، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما ينظر الله إلى وليّ له يجهِدُ نفسَه بالطّاعة والنّصيحة له ولإمامه إلّا كان معنا في الرفيق الأعلى)[17]، والمراد هنا أنّ هذا العامل ينال أجره بالطّاعة وامتثال أمر من استعمله بإخلاصٍ وصدقٍ من دون غشٍّ وخيانةٍ.

والحاصل: إنّ كلمات علماء اللّغة تنصّ على أنّ الأصل في تفسير النّصيحة هو الإخلاص، ويؤيّد ذلك ما أوردناه من القرآن الكريم والأحاديث الشّريفة، وبهذا ينبغي تفسير هذه المفردة في الروايات ما لم تقم قرينة على معنىً آخر، وعليه ينبغي حمل تلك العبارة الواردة في حديث النبيّ صلى الله عليه وآله.

 ومن المؤيّدات اللّطيفة التي تبيّن صحّة تفسير هذه العبارة في خطبة النبيِّ صلى الله عليه وآله ما رواه الكلينيّ: (محمّد بن الحسن، عن بعض أصحابنا، عن عليّ بن الحكم، عن الحكم بن مسكين، عن رجلٍ من قريش من أهل مكّة، قال: قال سفيان الثوريّ: اذهب بنا إلى جعفر بن محمّد، قال: فذهبت معه إليه فوجدناه قد ركب دابّته، فقال له سفيان: يا أبا عبد الله، حدّثنا بحديث خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد الخيف، قال: دعني حتى أذهب في حاجتي فإنِّي قد ركبت فإذا جئت حدّثتُك، فقال: أسألك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله لمّا حدثتني، قال: فنزل، فقال له سفيان: مُر لي بدواة وقرطاس حتى أثبته فدعا به ثم قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد الخيف: نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، وبلغها من لم تبلغه، يا أيها الناس ليبلغ الشّاهد الغائب، فرُبّ حامل فقهٍ ليس بفقيهٍ، ورُبَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ثلاثٌ لا يغلّ عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمّة المسلمين، واللزوم لجماعتهم؛ فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون إخوة تتكافؤ دماؤهم، وهم يدٌ على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم. فكتبه سفيان ثم عرضه عليه وركب أبو عبد الله عليه السلام، وجئت أنا وسفيان فلما كُنّا في بعض الطريق قال لي: كما أنت حتّى أنظر في هذا الحديث، قلت له: قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئاً لا يذهب من رقبتك أبداً. فقال: وأيّ شيءٍ ذلك؟ فقلت له: ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مسلمٍ: إخلاص العمل لله قد عرفناه، والنصيحة لأئمّة المسلمين، من هؤلاء الأئمة الذين يجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وكلّ من لا تجوز الصلاة خلفهم؟! وقوله: واللّزوم لجماعتهم، فأيّ الجماعة؟ مرجئٌ يقول: من لم يصلِّ ولم يصم ولم يغتسل من جنابةٍ وهدم الكعبة ونكح أمه فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل، أو قدريّ يقول: لا يكون ما شاء اللهُ عزّ وجلّ ويكون ما شاء إبليس، أو حروريٌّ يتبرأ من عليّ بن أبي طالب وشهد عليه بالكفر، أو جهمي يقول: إنّما هي معرفة الله وحده ليس الإيمان شيء غيرها؟! قال: ويحك، وأي شيءٍ يقولون؟ فقلت: يقولون: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام -واللهِ- الإمامُ الذي وجب علينا نصيحته، ولزوم جماعتهم: أهل بيته. قال: فأخذ الكتاب فخرقه ثم قال: لا تخبر بها أحداً)[18].

فيتّضح من سياق هذه الرّواية وتفسير الرّاوي لها والتفات سفيان الثوريّ إلى ما يرمي إليه الإمام من تحديثه بالخطبة أنّ النّصيحة لأئمّة المسلمين هي الإخلاص في الطّاعة والانقياد لهم، وليس تقديم الرّأي والمشورة، فإنّ الرّاوي كان يستنكر النّصيحة لمعاوية بن أبي سفيان ويزيد ومروان بن الحكم؛ فلو كان المراد من النصيحة هو تقديم الرّأي والمشورة لإرشادهم لما استنكر ذلك؛ فإنّ أولئك أولى بالنصيحة والوعظ وبيان الحقّ لهم لردعهم عن غيِّهم، ولكنّه فهم من النّصيحة الإخلاص في الطّاعة، وهو ما استنكره معلِّلاً ذلك بأنّه لا تجوز الصّلاة خلفهم، فمن باب أولى أن لا تصحّ طاعتهم مع ما هم عليه من الفجور والفسق.

ويزيد ذلك وضوحاً ما قاله في ذيل الرّواية من قول الرّاوي: (فقلت: يقولون: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام -واللهِ- الإمامُ الذي وجب علينا نصيحته) وتمزيقُ سفيان للكتاب الذي دوّن فيه الحديث، فإنّه لا معنى لأن تكون دلالة الرّواية أنّ الواجب هو تقديم النّصائح والمشورة لعليّ بن أبي طالب، فإنّ هذا لا يستنكره سفيان الثوريّ، ولكنه اتّضح له أنّ المراد من النصيحة هو وجوب طاعة عليّ بن أبي طالب، ولذلك مزّق الكتاب.

 ثالثاً: تفسير العلماء لمعنى النّصيحة.

وقد فسّر علماؤنا هذه العبارة بالنّحو الذي ذكرناه، ومنهم المولى المازندرانيّ حيث قال: (النّصيحة إرادة الخير للمنصوح والمراد بها طاعة الأئمة وإعانتهم على الحقّ وتأليف القلوب إلى انقيادهم والصلاة خلفهم والجهاد معهم، وبالجملة: إرادة كلّ ما هو خير في الدنيا والآخرة لهم وترك الغشّ عليهم)[19].

وقال العلّامة المجلسيّ: (والنصيحة لأئمّة المسلمين: أي خلوص الاعتقاد فيهم والمودّة لهم ومتابعتهم في جميع أقوالهم وأفعالهم)[20]، وقال في موضعٍ آخر: (والنصيحة لأئمّة المسلمين: متابعتهم، وبذل الأموال والأنفس في نصرتهم)[21].

 رابعاً: المراد بـ«أئمّة المسلمين»

المراد بهم في الحديث الشّريف هم أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام)، فإنّهم المنصوبون للإمامة على المسلمين، وهذا من مناصبهم الخاصّة، فلا يصدق قول: (أئمّة المسلمين) على أحدٍ سواهم. ولم يرد هذا الاستعمال في الأحاديث المعتبرة بما يشمل الفقهاء أو الحُكّام، وإنّما الإمامة في أحاديث الأئمّة -صلوات الله عليهم- منحصرة فيهم، فمن البعيد جداً احتمال إدخال غيرهم في هذا الحديث، ومن هنا قال الفيض الكاشانيّ في بيان المراد بهم: (والمراد بأئمة المسلمين أوصياؤه الاثنا عشر المعصومون)[22].

وعلى أيّة حالٍ، فيمكن احتمال ثلاث معانٍ في تفسير «أئمّة المسلمين»:

المعنى الأوّل: أن يكون مختصّاً بالعلماء والحكّام، وهو واضح الفساد لا يتلاءم مع ما نعلم من اختصاصهم بمنصب إمامة المسلمين، كما لا يتلاءم مع أحاديثهم -صلوات الله عليهم- التي تطابقت على إطلاق هذا الوصف على الأئمّة المعصومين دون غيرهم، ومنها ما ورد في صحيحة الحلبيّ: (في قنوت الجمعة: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى أئمة المسلمين، اللهم اجعلني ممن خلقته لدينك وممن خلقته لجنّتك. قلتُ: أسمِّي الأئمة؟ قال: سمِّهم جملة)[23]، وما ورد في موثّقة سماعة عن الصّادق عليه السّلام -في كيفيّة خطبة الجمعة-: (ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى أئمة المسلمين)[24].

المعنى الثاني: أن يكون مشتركاً يشمل الأئمّة المعصومين والفقهاء والحكّام، وهو لا يستقيم أيضاً؛ إذ يلزم من ذلك لازمٌ فاسدٌ، فإن كان المأمور به هو الإخلاص والانقياد والطّاعة فمن الواضح أنّ طاعة غير المعصومين لا يصحّ أن تُقرن في نفس السّياق بطاعة الأئمّة؛ وإلّا كانت طاعتهم واجبةً مطلقاً كطاعة الأئمّة، وإن كان المأمور به هو تقديم الرّأي والمشورة فإنّ الأئمّة المعصومين ليسوا موضوعاً لهذا الحكم.

المعنى الثالث: أنّ يكون مختصّاً بأئمّة أهل البيت عليهم السّلام، وهو الصّحيح، فإنّ مقام إمامة المسلمين مختصّ بهم لا يشركهم فيهم أحد، كما أنّ هذا الوصف استعمل بحقّ الأئمّة المعصومين -كما تقدّم في موثّقة سماعة وصحيحة الحلبيّ-، وممّا يقرّب كون المراد من النّصيحة لأئمّة المسلمين هي النّصيحة للمعصومين (عليهم السّلام) ما رُوي من الحثّ في الحديث النبويّ على النّصيحة لأهل البيت (عليهم السّلام) فقد روى الشيخ البرقيّ رحمه الله بسندٍ صحيحٍ: (عن موسى بن القاسم، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق (عليهما السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدّى زكاة ماله، وكفّ غضبه، وسجن لسانه، واستغفر لذنبه، وأدّى النصيحة لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقد استكمل حقائق الإيمان، وأبواب الجنّة مفتّحة له)[25].

وليس المراد من أداء النّصيحة لأهل البيت (عليهم السّلام) تقديم الرّأي والمشورة لهم، فمن الواضح أنّ أهل البيت (عليهم السّلام) الذين هم عِدل الكتاب وعصمة الأمّة من الضّلال لا يحتاجون إلى النّصيحة ممّن هم دونهم في العلم بآيات الله وشريعته، وقد ورد النّهي عن تعليمهم لاستغنائهم عن عقول النّاس بما اختصّهم الله به من العلم، ففي صحيحة أبي بصير عن الصّادق عليه السّلام: (...، وقال صلى الله عليه وآله: أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي، فإنّي سألت الله عزّ وجلّ أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني ذلك. وقال: لا تعلّموهم فهم أعلم منكم. وقال: إنّهم لن يخرجوكم من باب هدىً، ولن يدخلوكم في باب ضلالة)[26].

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الكافي، ج2، ص336-337، رقم الحديث 1058، كتاب الحجّة، باب ما أمر النبيّ بالنّصيحة لأئمّة المسلمين واللّزوم لجماعتهم ومن هم، ح1.

[2] الصّحاح، ج1، ص411.

[3] المحكم والمحيط الأعظم، ج3، ص157.

[4] لسان العرب، ج2، ص615.

[5] النّهاية في غريب الحديث والأثر، ج3، ص63.

[6] مجمل اللّغة، ص870.

[7] العين، ج3، ص119.

[8] الصحاح، ج1، ص411.

[9] معجم مقاييس اللغة، ج5، ص435.

[10] التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج12، ص137.

[11] العين، ج4، ص348.

[12] سورة التوبة، الآية 91.

[13] مصباح المتهجّد، ص725.

[14] نهج البلاغة، ص616، المختار من كتب أمير المؤمنين عليه السّلام ورسائله إلى أعدائه وأمراء بلاده، الكتاب 34.

[15] نهج البلاغة، ص617، المختار من كتب أمير المؤمنين عليه السّلام ورسائله إلى أعدائه وأمراء بلاده، الكتاب 35.

[16] الكافي، ج15، ص352، رقم الحديث 14938، كتاب الرّوضة، ح123.

[17] الكافي، ج7، ص119، رقم الحديث 5866، كتاب الزّكاة، باب أدب المصدّق، ح1.

[18] الكافي، ج2، ص337-340، رقم الحديث 1059، كتاب الحجّة، باب ما أمر النبيّ بالنّصيحة لأئمّة المسلمين واللّزوم لجماعتهم ومن هم، ح2.

[19] شرح أصول الكافي، ج7، ص16.

[20] مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج4، ص325.

[21] بحار الأنوار، ج2، ص149.

[22] الوافي، ج2، ص99.

[23] تهذيب الأحكام، ج3، ص20، كتاب الصّلاة، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها، ح63.

[24] الكافي، ج6، ص445-446، رقم الحديث 5466، كتاب الصّلاة، باب تهيئة الإمام للجمعة وخطبته والإنصات، ح1.

[25] المحاسن، ج1، ص452-453، رقم الحديث 1042.

[26] الكافي، ج2، ص8، رقم الحديث 759، كتاب الحجّة، باب ما نصّ الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمّة عليهم السّلام واحداً فواحداً، ح1.

مشاركة: