"يا عليّ، أنت وصيّي وإمام أمّتي، من أطاعك أطاعني، ومن عصاك عصاني".
قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ
"يا عليّ، أنت وصيّي وإمام أمّتي، من أطاعك أطاعني، ومن عصاك عصاني".
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
أنعم الله تعالى على البشر بأن خاطبهم بكتابه الكريم، فقال تعالى: ﴿هذَا بَيَانٌ للنَّاسِ وهُدىً ومَوْعِظَةٌ للمُتَّقِين﴾[1]، ثم إنّ الهداية القرآنية موقوفة على التدبّر وفهم الآيات النازلة من عند الله تعالى، وإلّا فإنّ الأخذ بالمعارف والأوامر والنواهي فرع التفسير الصحيح والبيان القويم لآياته تعالى.
هذا، وقد نقّح العلماء جملة من القواعد الصالحة للاستناد إليها في مقام فهم آيات الكتاب لا سيّما في علمي >علوم القرآن< و>أصول الفقه<، ومن القواعد التي يصلح أن يبحث عنها في هذين العلمين قاعدة السياق التي لم يفرد لها البحث بعنوان مستقلّ، بل تطلق عند التطبيق إطلاق المسلّمات، مع ما للسياق القرآني من أهمية، كيف لا؟ وقد أكّد الله تعالى في الكتاب الكريم على أهمية النظر المجموعي لآياته، فقال تعالى: ﴿أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ولَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾[2]، فالقرآن علم غير مختلف ولا متناقض، ويؤخذ جملةً واحدةً، وبالنظر في مجموعه يتوصّل إلى الحقّ.
وكثيراً ما يبتلی أهل الحقّ بمَن ينزع الآية من سياقها، ويحاول الاستشهاد بها على مضامين مناقضة للقرآن الكريم، فتجد من يريد الاستدلال على التعددية الدينية – مثلاً- يستشهد بمثل قوله تعالى: ﴿لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾[3]، وبمثل قوله تعالى: ﴿وقُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾[4] فيقطع الآية من سياقها العامّ، ويغضّ النظر عن آيات الوعيد المشدّدة على الكفار، بل عن نفس ذيل أمثال هذه الآيات التي لو قُرأت كاملةً لألجأه ذلك للبيان الصحيح، فقد قال تعالى في ذيل الأولى: ﴿لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فمَنْ يَكْفُرْ بالطَّاغُوتِ ويُؤْمِنْ بالله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ * الله وَلِيُّ الذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ والَّذِينَ كَفَرُوا أوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولئِكَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، وفي ذيل الآية الثانية: ﴿وَ قُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إنَّا أعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بمَاءٍ كَالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وسَاءَتْ مُرْتَفَقاً﴾.
وهؤلاء من أبرز مصاديق قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ﴾[5]، وحالهم كحال من يفهم التكريم والإجلال من قوله تعالى: ﴿ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾[6]، مع أنّه لو نظر إلى سياقها لفهم شيئاً آخر حيث قال الله تعالى: ﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحَمِيمِ * ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾.
ومن هنا كانت أهمية فهم القرآن في ضمن سياقها العامّ والخاصّ، ولذا احتجنا للبحث عن هذه القاعدة ومدى صحة الاعتماد عليها، مع بيان أقسامها وأطوار تطبيقها، وذلك في ضمن فصول ثلاثة:
الفصل الأوّل: نبحث فيه عن معنى السياق لغةً واصطلاحاً.
الفصل الثاني: في بيان الدليل على حجيّة السياق، وما يمكن أن يُطرح كمانع من الاعتماد عليه في خصوص الكتاب الكريم.
الفصل الثالث: في أقسام السياق، مع بيان جملة من النماذج التطبيقية.
السياق لغةً
السياق في اللغة أصله >سواق<، قلبت الواء ياءً لكسر السين[7]، وهو >أصل واحد، وهو حَدوُ الشَّيء يقال: سَاقَه يَسُوقُه سَوقاً. والسَّيّقَة: ما استيق من الدوابّ. ويقال: سُقتُ إلى امرأتي صَدَاقها، وأسَقتُه. والسُّوق مشتقّةٌ من هذا، لِمَا يُساق إليها من كلَّ شيء، والجمع أسواق. والسَّاق للإنسان وغيره، والجمع سُوق، إنّما سمّيت بذلك؛ لأنّ الماشي ينساق عليها<[8].
وقد استعملت هذه المادّة - بحسب بعض المعاجم المفهرسة - في سبعة عشر موضعاً في القرآن الكريم، ولم يخرج الاستعمال عن أحد تلك المعاني الثلاثة، فالسوق بمعنى حَدْو الشيء هو الأكثر استعمالاً في الكتاب الكريم كما في قوله تعالى: ﴿ونَسُوقُ المُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً﴾[9]، والذي يسوق هو السائق كما في قوله تعالى: ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وشَهِيدٌ﴾[10]، وبمعنى السُّوق أعني المكان الذي يجتمع فيه من أجل البيع والشراء في مثل قوله تعالى: ﴿وقَالُوا مَا لِهٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ويَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً﴾[11]، واستعملت أيضاً بمعنى العضو المخصوص مفردةً كما في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ويُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾[12]، وتثنيةً كما في قوله تعالى: ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا﴾[13]، أو جمعاً كما في قوله تعالى: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بالسُّوقِ والأعْنَاقِ﴾[14].
السياق في الاصطلاح
هذا من حيث اللغة، وأمّا في الاصطلاح فإذا لاحظنا كتب الأصول عند علمائنا الإماميّة، فرغم كثرة استعمالهم لهذا المصطلح لم يعقدوا بحثاً لبيان المقصود منه، وكأنّه لدعوى وضوحه، وأمّا في علوم القرآن فهناك اصطلاح آخر قريب من معنى السياق، اهتمّ به، وهو ما يسمّى بـ>المناسبة<.
قال الزركشي (ت794هـ): >معرفة المناسبات بين الآيات، وقد أفرده بالتصنيف الأستاذ أبو جعفر بن الزبير شيخ الشيخ أبي حيان. وتفسير الإمام فخر الدين فيه شيءٌ كثير من ذلك. واعلم أنّ المناسبة علم شريف، تُحزر به العقول، ويُعرف به قدر القائل فيما يقول. والمناسبة في اللغة المقاربة، وفلان يناسب فلاناً، أي يقرب منه ويشاكله، ومنه النسيب الذي هو القريب المتصل، كالأخوين وابن العم ونحوه وإن كانا متناسبين بمعنى رابط بينهما، وهو القرابة. ومنه المناسبة في العلّة في باب القياس: الوصف المقارب للحكم؛ لأنّه إذا حصلت مقاربته له ظُنَّ عند وجود ذلك الوصف وجود الحكم؛ ولهذا قيل: المناسبة أمر معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول<[15].
وقال السيوطي: >وعلم المناسبة علم شريف، قلّ اعتناء المفسرين به لدقّته، وممن أكثر فيه الإمام فخر الدين، وقال في تفسيره: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط<[16].
وكيف كان، فإذا لاحظنا استعمالات كلمة السياق في تطبيقات الأعلام، فسوف تجد أنّ السِّياق سنخُ قرينةٍ من القرائن التي يُعتمد عليها في فهم الكلام، وهذه القرينة تفهم من طريق فهم الجمل السابقة واللاحقة إذا ما لاحظنا سياق الفقرة، وفهم الكلمات السابقة واللاحقة إذا نظرنا إلى سياق الجملة، ومن هنا فالسياق إذا أُطلق في كلماتهم لا يقصد منه إلاّ المعنى الذي يفهم بسبب هذا التتابع والتوالي بين الكلمات أو الجمل، أو قل: >انتظام الجمل أو الكلمات في تأدية معنى محدّد<[17].
ووجه المناسبة مع المعنى اللغوي واضح؛ باعتبار أنّ السياق في اللغة مأخوذ - كما عرفت - من السَّوق الذي هو الحَدو بالشيء وأخذه إلى غاية محدّدة، فالسَّوق هو الحَدو والجري بالشيء، والسياق في الاصطلاح تلك القرينة التي تفهم من تتابع الكلام وتناسبه.
ومن هذا الباب اصطلاح: >النكرة في سياق النفي<، حيث لا يقصد منه إلاّ وقوع النكرة بعد النفي، فقد تَبِعَ النفي النكرة، فتكون النكرة واقعةً في سياق النفي.
وفي المثال المعروف المذكور في مباحث صيغة الأمر عند الحديث عمّا لو ورد: >اغتسل للجمعة، واغتسل للعيد، واغتسل للجنابة<، فحاول الأعلام علاج هذه الجمل على أساس أنّ دعوى استعمال الصيغة في الاستحباب تارةً وفي الوجوب أخرى موجب لاختلال السياق؛ فإنّ >اغتسل للجنابة< وقعت في سياق الأوامر الاستحبابي أي بعدها، وهذا موجب لاختلال السياق.
ومن جميع ما تقدّم يصح أن يُقال بأنّ السياق قرينة لفظية تفهم عن طريق التتابع الخاصّ الموجود في الجمل والفقرات، وعلاقتها حينئذٍ بـ>علم المناسبة< واضح؛ باعتبار أنّها الطريق للتعرّف عليه؛ فإنّ حفظ السياق هو الكاشف عن التناسب بين الآيات.
ثم إنّ ما ذكرناه من معنى السياق ناظر إلى السياق كقرينة لفظية مقاليّة تفهم من التتابع الخاص بين الكلمات أو الجمل، لكن قد تجد في بعض الاستعمالات التعامل مع السياق العامّ - أو الجوّ العام - للقرآن أو للسورة، وهو في الواقع نظر إلى السياق كقرينة معنوية، حيث يقصد منها: >الغرض الذي لأجله سيق الكلام< سواء على مستوى الغرض الكلي أم الجزئي.
ومن هنا يمكن أن نأتي بتعريف جامع للسياق بحيث يشمل تفسيره على أساس قرينة لفظية مقالية وعلى أساس قرينة حاليّة معنوية بأن يُقال: >السياق قرينة دالّة على مقصود المتكلّم تفهم من جهة انتظام الكلام<.
ونقصد من انتظام الكلام نظمه على المستوى الكلي العامّ كالغرض من إنزال القرآن الكريم، أم على مستوى الخاصّ كالغرض من إنزال سورة بعينها، أم على ما هو أخصّ من ذلك على مستوى الفقرة أو الجملة، وهذه هي الدوائر الأربع هي الحاكمة للسياق بمعناه العامّ.
لا إشكال في أنّ الطابع العامّ في كلمات العلماء إطلاق حجيّة السياق إطلاق المسلّمات، وكما لم يبحثوا عن تحديد مفهوم السياق، لم يبحثوا عن الدليل على حجيّته.
ولعلّ النكتة في ذلك: أنّ الدليل على اعتبار السياق وقرينيّته ليس إلاّ أنّ السياق من سنخ القرائن التي يصحّ الاتكال عليها في مقام التفهيم، فالدليل على حجيّة الاعتماد على السياق أنّ السياق من صغريات حجيّة الظواهر.
والقرآن الكريم لم يحِدْ في أساليب التفهيم عن تلك الطريقة العامّة الموجودة عند العرب، بل قال الله تعالى: ﴿ومَا أرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلا بلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فيُضِلُّ الله مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾[18]، ولم يكن القرآن الكريم بدعاً بين الكتب السماوية، فنزل بلسان قوم رسول اللهe، فقال تعالى: ﴿وإنَّهُ لَتنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾[19]، وقد بيّنت الحكمة من ذلك في مثل قوله تعالى: ﴿وكَذلِكَ أنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً﴾[20]، و﴿إنَّا أنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[21]، و﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَج لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾[22]، و﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾[23]، و﴿إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[24]، فكانت الغاية من جعله قرآناً عربياً ترتّب العلم والتقوى والتعقّل والتذكّر، وكلّ ذلك -كما لا يخفى- موقوف على الفهم وإدراك المعاني النازلة من عند الله تعالى التي صيغت ضمن تلك الألفاظ على أساس الأساليب المتعارفة بين الناس، والسياق أحد القرائن المعتمدة عندهم.
هذا ويؤيد -بل يؤكّد - جواز الاعتماد على السياق ما جاء في بعض الأخبار في تفسير قوله تعالى: ﴿ذلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لاَ إلهَ إلّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ * قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أبْصَرَ فلِنَفْسِهِ ومَنْ عَمِيَ فعَلَيْهَا ومَا أنَا عَلَيْكُمْ بحَفِيظٍ * وكَذلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ولِيَقُولُوا دَرَسْتَ ولِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾[25]، ففي معتبرة عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهg في قوله: ﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ﴾[26]، قال: >إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ ليس يعني بصر العيون، ﴿فَمَنْ أبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ﴾ ليس يعني من البصر بعينه، ﴿ومَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا﴾ ليس يعني عمى العيون، إنّما عنى إحاطة الوهم، كما يقال: فلانٌ بصيرٌ بالشّعر، وفلانٌ بصيرٌ بالفقه، وفلانٌ بصيرٌ بالدّراهم، وفلانٌ بصيرٌ بالثّياب، الله أعظم من أن يرى بالعين<[27].
وقد روي في الكافي بسند معتبر عن صفوان بن يحيى قال: >سألني أبو قرّة المحدّث أن أدخله على أبي الحسن الرّضاg فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتّى بلغ سؤاله إلى التّوحيد، فقال أبو قرّة: إنّا روّينا أنّ الله قسم الرّؤية والكلام بين نبيّين فقسم الكلام لموسى ولمحمّد الرّؤية. فقال أبو الحسنg: فمن المبلّغ عن الله إلى الثّقلين من الجنّ والإنس، ﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ ﴾[28]، و﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾[29]، و﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[30]، أليس محمّدٌ؟ قال: بلى، قال: كيف يجيء رجلٌ إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنّه جاء من عند الله وأنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول: ﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ﴾، و﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾، و﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ثمّ يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطتُ به علماً، وهو على صورة البشر، أما تستحون! ما قدرت الزّنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء، ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر. قال أبو قرّة فإنّه يقول: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾[31]، فقال أبو الحسنg: إنّ بعد هذه الآية ما يدلّ على ما رأى، حيث قال:﴿ مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى﴾[32] يقول: ما كذب فؤاد محمّد ما رأت عيناه، ثمّ أخبر بما رأى فقال: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى﴾[33]، فآيات الله غير الله، وقد قال الله: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾[34]، فإذا رأته الأبصار فقد أحاطتْ به العلم، ووقعت المعرفة. فقال أبو قرّة: فتكذّب بالرّوايات؟ فقال أبو الحسنg: إذا كانت الروايات مخالفةً للقرآن كذّبتها، وما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يحاط به علماً، و﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ﴾[35]، و﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[36]<[37].
ومن اللطيف أنّه في هذه الرواية الشريفة قد تمسك بالسياق بمعنييه أعني الخاصّ كما في الفقرة الثانية حيث النظر إلى نفس المقطع القرآني، وإلى معناه العامّ حيث النظر إلى مجموع الآيات القرآنية كما في الفقرة الأولى.
إشكالان على جواز التمسك بالسياق وردّهما
بعدما عرفت من أنّ المقتضي العامّ لصحة التمسك بالسياق موجود، وبغض النظر عن الخلاف الذي قد يقع في تشخيص سياق ما، فهل اختصّ القرآن بما يمنع من حجيّة سياقه أم لا؟ مع الالتفات إلى أنّ ما نعرضه من موانع إنّما هو بخصوص ما يضرّ بالسياق بعنوانه، ولا نتعرّض لبعض الإشكالات العامّة على حجيّة ظواهر الكتاب، بل هذا البحث مبني على الفراغ عن أصل إمكان فهم الخطاب القرآني.
وما يخطر في البال من إشكالات يمكن أن تطرح في المقام أحد أمرين:
الأمر الأوّل: أنّ حجيّة السياق بعد أن كانت مبتنية على وحدة النظم، فلا مانع من الاعتماد عليها بلحاظ السياق العامّ للقرآن الكريم، لكن إذا أردنا أن نلاحظها باعتبار ترتيب فقرات السور القرآنية، فالأمر مشكل؛ باعتبار ما وقع في أمر جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر[38]، حيث إنّ العادة قاضية بأنّ مثل هذه الطريقة من الجمع لن تحفظ ترتيب السور كما نزلت من عند الله تعالى.
الأمر الثاني: ما ورد في بعض الأخبار من الآية قد تنزل وأوّلها في شيء وآخره في شيء، فقد روى في المحاسن - بسند فيه إشكال من جهة شريس الوابشي - عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال: >سألت أبا جعفرg عن شيءٍ من التفسير فأجابني، ثمّ سألته عنه ثانيةً فأجابني بجوابٍ آخر، فقلت: جعلت فداك، كنت أجبتني في هذه المسألة بجوابٍ غير هذا قبل اليوم، فقال: يا جابر، إنّ للقرآن بطناً وللبطن بطناً وله ظهرٌ وللظّهر ظهرٌ، يا جابر ليس شيءٌ أبعد من عقول الرّجال من تفسير القرآن، إنّ الآية يكون أوّلها في شيءٍ وآخرها في شيءٍ، وهو كلامٌ متّصلٌ منصرفٌ على وجوهٍ»[39].
وروى العياشي مرسلاً عن زرارة عن أبي جعفرg قال: >ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إنّ الآية ينزل أوّلها في شيء، وأوسطها في شيء، وآخرها في شيء، ثم قال: ﴿إنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾[40] من ميلاد الجاهلية»[41].
أقول: أمّا ما ذكر في الإشكال الأوّل، فعلى تقدير قبول أصل الفكرة المطروحة لكيفية جمع القرآن وهي محلّ بحث بين الأعلام[42]، فإنّ هذه الإشكاليّة يمكن تجاوزها بأنّ الأئمةi عندما أرجعونا إلى القرآن إن بلحاظ الأمر بالتدبّر بالقرآن، واللجوء إليه وعدم سبق سابق لنا، أو في عرض الأخبار والشرائط على الكتاب، إنّما أرجعونا إلى هذا المصحف الموجود الآن، وأحد طرق الفهم العرفية الاعتماد على السياق كما عرفت، فلو لم يكن السياق القرآني مما يصح الاتكال عليه بشكل عامّ، لكان من اللازم التنبيه عليه، ولردعنا عنه، ولو كان لبان.
وأمّا ما ذكر ثانياً حيث يدّعى كونه رادعاً عن السيرة العقلائية في الاعتماد على السياق فعلى تقدير قبول السند، فمن غير المعلوم إرادة الإطلاق، بل في الفصول المختارة ما نصّه: >ومن كلام الشيخ[43] - أدام الله عزه - قال له رجل من أصحاب الحديث ممن يذهب إلى مذهب الكرابيسي: ما رأيتُ أجسر من الشيعة فيما يدعونه من المحال، وذلك أنّهم زعموا أنّ قول الله سبحانه: ﴿إنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين، مع ما في ظاهر الآية من أنّها نزلت في أزواج رسول الله وذلك أنّك إذا تأملت الآية من أوّلها إلى آخرها وجدتها منتظمة لذكر الأزواج خاصّة ولم نجد لمن ادعوها له ذكراً.
فقال له الشيخ أيده الله: أجسر الناس على ارتكاب الباطل وأبهتهم وأشدّهم إنكاراً للحق وأجهلهم من قام مقامك في هذا الاحتجاج ودفع ما عليه الإجماع والاتفاق؛ وذلك أنّه لا خلاف بين الأمة أنّ الآية من القرآن قد يأتي أولها في شيء وآخرها في غيره ووسطها في معنى وأولها في سواه وليس طريق الاتفاق في معنى إحاطة وصف الكلام بالآي. وقد نقل المخالف والموافق أنّ هذه الآية نزلت في بيت أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها، ورسول اللهe في البيت ومعه عليٌّ وفاطمة والحسن والحسينi وقد جلّلهم بعباءةٍ خيبريّةٍ، وقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأنزل الله عزّ وجل: ﴿إنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، فتلاها رسول اللهe، فقالت له أمّ سلمة رضي الله عنها: يا رسول الله، ألست من أهل بيتك؟ فقال لها: إنّك إلى خير. ولم يقل إنّك من أهل بيتي<[44].
وبعبارة واضحة: أصل وقوع التفكيك في سياق جملةٍ واحدةٍ بحيث يكون أوّل الآية في شيء وآخرها في شيء وإن كان أمراً صحيحاً، إلاّ أنّ ذلك لا يضرّ في حجيّة السياق كقاعدة؛ إذ لم يثبت أنّ كلّ أو جلّ القرآن كذلك، بل غايته أنّ هذه الطريقة موجودة في القرآن الكريم، فلا بدّ من الدقّة عند الاستناد إلى السياق الواحد والالتفات إلى القرائن الداخلية والخارجيّة، وما يضرّ في حجيّة السياق إثبات كون ما ذكر هي الطريقة العامّة في القرآن الكريم.
وعلى كلّ، فما ذكر في الأمر الأوّل أو هذا الثاني يصلحان كشاهدين على أهمية التدقيق في وجود سياق واختلاله، ولا يصلحان للمنع من أصالة وحدة السياق، وصلاحيته كقرينة محدّدة للمراد.
بعدما بحثنا في الفصلين السابقين عن معنى السياق وحجيّته، يقع الكلام هنا في بيان أقسام السياق، مع بيان جملة نماذجه التطبيقية، وكنّا قد أشرنا إلى دوائر أربع للسياق، من سياق عامّ كليّ للقرآن، إلى سياق سورة من السور، إلى سياق فقرةٍ من الفقرات، إلى سياق آية، فهذه أقسام أربعة:
القسم الأوّل: السياق القرآني العامّ
القسم الأوّل من أقسام السياق هو ما يُلحظ فيه القرآن كمجموعة متكاملة، ويمكن أن نبيّن أصنافاً أربعة لهذا القسم:
الصنف الأوّل: سياق الكلمة في القرآن
السياق العامّ لاستعمال مفردة من المفردات، حيث يراد فهم معنى لفظ معيّن واستبيان إن كان في القرآن اصطلاح خاصّ من إطلاق هذا اللفظ أو ذلك، فتستقرأ الآيات على مستوى القرآن للاستشهاد على المقصود من معنى كلمة من الكلمات أو لبيان عدم استبعاد قصد هذا المعنى.
ومن هذا الباب ما روي عن زرارة ومحمد بن مسلم قالاً: >قلنا لأبي جعفرg: ما تقول في الصلاة في السفر، كيف هي؟ وكم هي؟ فقال: إنّ الله عز وجل يقول: ﴿وإذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ﴾[45]، فصار التقصير في السفر واجباً كوجوب التمام في الحضر، قالا: قلنا له: قال الله عز وجل: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ ولم يقل: افعلوا، فكيف أوجب ذلك؟ فقالg: أوليس قد قال الله عز وجل في الصفا والمروة: ﴿فمَنْ حَجَّ البَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾[46]، ألا تَروَن أنّ الطواف بهما واجبٌ مفروض؛ لأنّ الله عز وجل ذكره في كتابه وصنعه نبيه، وكذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبيe وذكر الله في كتابه<[47]، الحديث.
ومن نماذج هذا التطبيق استبيان حال الفرق بين المطر والغيث الدالان على الماء المنسكب من السماء، لكن ما يناسب الغيث سقوطه رحمة أو مظنّة رحمة من الغوث، بخلاف المطر المطلق من هذه الناحية، ومن لاحظ الآيات القرآنية وجد الحفاظ على هذه النسبة.
قال الله تعالى: ﴿وإذَا كُنْتَ فِيهِمْ فأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ولْيَأْخُذُوا أسْلِحَتَهُمْ فإذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ ولْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ولْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وأسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أسْلِحَتِكُمْ وأمْتِعَتِكُمْ فيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ولاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أذىً مِنْ مَطَرٍ أوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أنْ تَضَعُوا أسْلِحَتَكُمْ وخُذُوا حِذْرَكُمْ إنَّ اللهَ أعَدَّ للكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً﴾، و﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[48].
وفي مجمع البحرين أنّ كلمة: >أمطر< تقال لكلّ شيء من العذاب[49]، وهو الوارد في مثل قوله تعالى: ﴿وأمْطَرنَا عَلَيهِم مَّطَراً فانظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجرِمِينَ﴾[50]، و﴿وَإِذ قَالُواْ اللهمَّ إِن كَانَ هذَا هُوَ الحقَّ مِن عِندِكَ فأمطِر عَلَينَا حِجَارَة مِّنَ السَّمَاءِ أوِ ائتِنَا بعَذَابٍ ألِيم﴾[51]، و﴿فَلمَّا جاءَ أمرُنَا جَعَلنَا عالِيَهَا سَافِلَهَا وأمطَرنَا عَلَيهَا حِجَارَة من سِجِّيل مَّنضُود﴾[52]، و﴿فجَعَلنَا عالِيَهَا سَافِلَهَا وأمطَرنَا عَلَيهِم حِجَارَة مِّن سِجِّيلٍ﴾[53]، و﴿ولَقَد أتَواْ عَلَى القَريَةِ التِي أُمطِرَت مَطَرَ السَّوءِ أفَلَم يَكُونُواْ يرَونَهَا بَل كَانُواْ لَا يَرجُونَ نُشُوراً﴾[54]، و﴿وأمطَرنَا عَلَيهِم مَّطَرا فَسَاءَ مَطَرُ المُنذَرِينَ﴾[55].
وقال الله تعالى: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾[56]، و﴿إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ ومَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً ومَا تَدْرِي نَفْسٌ بأيِّ أرضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[57]، و﴿وهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا ويَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وهُوَ الوَلِيُّ الحمِيدُ﴾[58].
وأمّا قوله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ولَهْوٌ وزِينَةٌ وتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ والأوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ومَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ ورِضْوَانٌ ومَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الغُرُورِ﴾[59]، فقد استعمال الغيث بما أشرنا إليه من جهة مظنّة الكفار الخير في الغيث، وإن كان في حقيقته استدراجاً من الله تعالى.
ومن الفوائد المترتبة على هذا الاستظهار أنّ قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هٰذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ ألِيمٌ﴾[60] أنّهم عندما رأوه لم يستبشروا به خيراً، بل ظنّوا به السوء، لكنّه رأوه شيئاً عرضياً زائلاً.
ولهذا التطبيق أمثلة لا تحصى كما لا يخفى على ملاحظ، والمشكلة التي قد يقع فيها الباحث الاستقراء الناقص، كالمنقول عن مجاهد من أنّ كلّ ظنّ في القرآن هو علم[61]؛ فإنّ ذلك يصح في بعض الآيات، ويكفينا لنقض هذه الدعوى ملاحظة مثل قوله تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ ومَا قَتَلُوهُ ومَا صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ ومَا قَتَلُوهُ يَقِيناً﴾[62]، وقوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ الله مَا أَشْرَكْنَا ولاَ آبَاؤُنَا ولاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وإِنْ أَنْتُمْ إلا تَخْرُصُونَ﴾[63]، وفي بعض الأخبار إعطاء ضابط للتمييز في استعمالات الظن[64].
الصنف الثاني: الأسلوب العامّ
ملاحظة الأسلوب العامّ للقرآن الكريم في إفادة المعاني، وأنّه لسان عربي، كما نصّ عليه في قوله تعالى: ﴿ولَقَدْ نَعْلَمُ أنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾[65]، و﴿نَزَلَ بهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ * بلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾[66].
وقد بيّن أنّ الوجه في جعل هذا الكتاب عربياً هداية الناس وإنذارهم، فقال تعالى: ﴿إنَّا أنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[67]، و﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذَا القُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾[68].
ومن هنا كان التأكيد على لزوم مراعاة الذوق العربي في فهم كلمات القرآن إن بلحاظ الأسلوب العامّ التي يستخدمه العرب في إفادة المعاني، وإن بلحاظ معاني مفرداته التي لم يثبت في القرآن اصطلاح خاصّ لها، وحمل القرآن على ما أصّل في اصطلاحات العلوم المتأخّرة يكون من إخراج الكتاب عن هذا السياق العامّ.
ومن هذا الباب حمل المفردات الواردة في القرآن على الاصطلاحات المدوّنة في العلوم، ومن أمثلته الواضحة ما يقرأ في علم المنطق من معنى >المثل< وأنّه المشارك للماهيّة النوعيّة، فقال صدر المتألهينO على ما في شرحه على أصول الكافي: >إنّ الله خلق آدم على صورته... والمراد منه كونه مخلوقاً على مثال الرب تعالى، والفرق حاصل بين المثال والمثل، والأوّل لا يستلزم الثاني، فإن مثل الشيء هو المشارك له في تمام الحقيقة، ومثاله هو مشاركه في النسب والإضافات، والله سبحانه منزه عن المثل لا عن المثال؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَهُ المثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ والأرْضِ﴾[69]<[70].
وقال في موضع آخر من شرحه عند تعليقه على خبر في الكافي: >اعلم أيضاً أنّ الله منزّه عن المثل في الذات وعن الشبه في الصّفات، ولكن لا يستحيل في حقّه المثال وهو المضاهاة في الإضافات والسلوب؛ لأنّها خارجة عن ذاته، فالله منزّه عن المثل لا عن المثال، ولهذا قال: ﴿وَلِله المثَلُ الأعْلَى﴾[71]، ولولا بين نفس الآدمية والرّب من المضاهاة لم يجب من معرفتها معرفته ولم يقل أمير المؤمنين g: «من عرف نفسه فقد عرف ربه»، فللنفس مناسبة ومضاهاة مع بارئها في الذات والصّفات والأفعال<[72].
وكما ترى، فقد حمَلَ المثل في قوله تعالى: ﴿لَيسَ كَمِثلِهِ شَيء﴾[73] على المثلية المنطقية، والمثال على معناه اللغوي وهو النظير، فالله تعالى لا مثل له على ما تقدّم في المسألة التاسعة وأنّه تعالى مخالف لغيره من الماهيات، لكن له مثال كما تقتضيه آية سورة الروم.
وعليك بمراجعة كتب اللغة وعرف العرب فهل ترى لكلمة >مثل< معنى إلاّ شبيه، بل المثل -كما في كتاب العين[74] والمحيط[75] ولسان العرب[76] - شبه الشيء في المثال والقدر وما شاكل ذلك. وقال ابن فارس: >الميم والثاء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على مناظرة الشّيء للشيء. وهذا مِثل هذا، أي نظِيرُه. والمِثل والمِثال في معنًى واحد<[77].
الصنف الثالث: المقاصد العامّة
ملاحظة مقاصد القرآن العامّة أثناء فهم الكتاب بجعلها قرائن عامّة على المقصود من بعض الآيات، وهو أمر طبيعي بعد انقسام الكتاب إلى محكم ومتشابه، فقد قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ومَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا الله والرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ومَا يَذَّكَّرُ إلا أُولُوا الألْبَابِ﴾[78]، والمتشابه ليس وصفاً ذاتياً للفظ بحيث لا يمكن رفع الحجاب عن حقيقة معناه، بل المتشابه مما يمكن استيضاح المراد منه بردّه إلى المحكم، ولذا وصف الآخذون بالمتشابه بأنّ في قلوبهم زيغ، فالزيغ - وهو الشكّ والجور عن الحقّ- هو السبب في حرف الألفاظ عن معانيها بفصلها عن المحكمات، لا أنّ الألفاظ هي التي توجب ذلك، وفرق كبير بين الأمرين.
ومن هذا الباب ما تقدّم من استشهاد الإمامg لنفي الرؤية بقوله تعالى: ﴿لا تُدرِكُهُ الأبصَارُ﴾[79]، و﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلماً﴾[80]، و﴿لَيسَ كَمِثلِهِ شَيء﴾[81].
ويمكن أن نمثّل لهذا الصنف بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[82]، وهي حاكمة على كلّ ما قد يظهر منه جعل مناط الكرامة عند الله على شيء آخر كالكون من بني فلان، أو سكنى مكان معيّن، أو فعل خاصّ بما هو كالسبق إلى الهجرة أو الجهاد؛ فإنّ هذه الأمور قد تكون مساعدة على التقرّب إلى الله تعالى بما توفّره من ظروف أو إنّما تكون حسنةً فيما لو انضمّت إليها التقوى، لا مطلقاً، كيف لا؟! وقد قال الله تعالى: ﴿إنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[83].
ومن لطيف ما روي في تفسير القمي قول رسول اللهe: >يا أيّها الناس، إنّ العربية ليست بأبٍ وجدّ، وإنـّما هو لسان ناطق، فمن تكلّم به فهو عربيّ، ألا وإنـّكم ولد آدم، وآدم من تراب، والله لعبد حبشي حين أطاع الله خير من سيّد قرشي عصى الله، و﴿أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ﴾<[84].
الصنف الرابع: الغرض العامّ
وهو ملاحظة الغرض العامّ من نزول القرآن الكريم، وبيانه: من المصطلحات التي يكثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة لا سيّما فيما يسمّى بـ>علم الكلام الجديد< مصطلح: >توقعات الناس من الدين<، وبالفارسية يُقال: >انتظار بشر از دين<، وقد يجعل في قبال: >حاجة الإنسان إلى الدين<، بحيث يكون الاصطلاح الأوّل إشارة إلى أنّ ما يحدّد مجال الدين هو توقعات الإنسان منه لا ما يحتاجه الناس، فلا يرجع إلى الدين لبيان المجالات التي يتكلّم عنها الدين، بل من يحدّد تلك المجالات نفس ما يتوقعه الإنسان من الدين.
وإن شئت قلت: فرق بين أن يكون نفس الخطاب الديني هو الذي يبيّن المجالات التي يتحدّث عنها نفس الدين، وبين أن تكون التوقعات الخارجية من قبل من يفسر الخطاب هو الذي يبيّن مجالات الدين.
ونحن في هذا البحث لا نتعرّض لهذه المسألة التي لا شاهد عليها من العرف العامّ، بل الشواهد تنصّ على أنّ مؤلف النصّ هو الذي يحدّد مجال خطابه، لكن نريد التنبيه على مشكلة يقع فيها بعض المفسرين للنصّ، ونبيّنها في ضمن نقاط:
النقطة الأولى: أحد أهمّ الأنظمة التي تحكم ذهن الإنسان هو التعلّم والتفهم والتعقّل عن طريق السؤال، وقد روي عن الصادق g قوله: >إن هذا العلم عليه قفل ومفتاحه المسألة<[85]، وقد جاء في بعض الأخبار التأكيد على أهمية كيفية طرح السؤال، فقد روي عن رسول اللهe قوله: >حُسن السؤال نصف العلم<[86] بناءً على أنّ النظر إلى لزوم دقّة السؤال، لا الرفق في مقام السؤال.
النقطة الثانية: تلك الأحاديث وإن كان ناظرة إلى الابتداء بالسؤال طلباً للجواب، لكن يمكن تطبيقها على ما نحن فيه من فهم النصّ؛ فإنّ البيانات الشرعيّة يمكن تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأوّل: البيانات الابتدائية كما هو حال القرآن الكريم، وبعض السنّة المروية لا سيّما ما جاء في خطب النبيe وأمير المؤمنينg.
القسم الثاني: البيانات الواردة في ضمن سؤال وجواب كما هو غالب السنّة المروية عن الإمام الباقرg فما بعد.
ثم إنّ عملية استنطاق النصّ بغية فهمه محكومة للموضوع الذي يريد النصّ بيانه، فإن كان هناك سؤال صريح في النصّ ففي الجواب موقوف على إدراك السؤال، وإن لم يكن هناك سؤال صريح ففهم النصّ متوقف على ما يفهمه ما يقصده النصّ من بيان بحيث يمكن صياغة موضوع النصّ بصيغة سؤال يريد هذا النصّ الجواب عنه، فكأنّ بين يديك جواب تقترح عليه سؤالاً.
النقطة الثالثة: ثم إنّ السؤال الذي يراد اقتراحه ليس اعتباطياً، بل لا بدّ له من قرينة إن من سياق النصّ العامّ أو الخاصّ، أو من أسباب النزول أو الصدور، أو من معرفة الظرف التاريخي الذي صدر فيه النصّ، ولذا فإنّ نفس النصّ وما يقترن به من ملابسات خارجيّة هي التي تحدد لنا السؤال الذي يراد بالنصّ الجواب عنه، ولا يدور الأمر مدار التوقعات والقبليات الاعتباطية، ولنسمّ هذا النحو من الأسئلة بالأسئلة الموضوعيّة في مقابل تلك الأسئلة الذاتية التي لا دليل على كون النصّ في مقام بيانها، وهذا يناظر ما ذكره الأصوليّون في بحث المطلق والمقيّد من أنّ من شرائط الإطلاق إحراز كون المتكلّم في مقام البيان من الجهة التي يراد التمسك بالإطلاق بلحاظها.
النقطة الرابعة: كلّما تكثرت الأسئلة الموضوعيّة تكثرت الاستفادة الصحيحة من النصّ، وهذا أمر ممكن حتى وإن كان هناك سؤال صريح في النصّ، حيث يراد أن يفهم وجه طرح هذا السؤال، مثلاً إذا قرأنا في أخبار أهل البيت أنّ الإيمان يزيد وينقص[87]، وهو أصل قرآني ورد في قوله تعالى: ﴿إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[88]، و﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ ولله جُنُودُ السَّمَاوَاتِ والأرْضِ وكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً﴾[89]، و﴿وإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذِهِ إيمَاناً فأمَّا الذِينَ آمَنُوا فزَادَتْهُمْ إيمَاناً وهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾[90]، وفهم تلك الأحاديث بلحاظ السؤال الوارد سهل، فإنّ الروايات تشير إلى مراتب الإيمان، لكن يمكن طرح أسئلة أخر حول السبب في طرح هذه المسألة في ذلك الظرف، وهل هناك مخالف في هذه المسألة؟ والثمرة المترتبة على هذا المعنى؟ وكيف تعالج مشاكل اعتقادية عن طريق هذا المفهوم؟ فإنّ طرح هذه الأسئلة ومحاولة فهم ملابسات النصّ يوضح كثيراً من جوانب المسألة.
وهذا لا يعني أنّ كلّ ما يطرح من سؤال لا بدّ أن يستفاد من نفس النصّ، لكن تكثير الأسئلة يفتح على جوانب متعدّدة، ويبرر الطوليّة في الفهم بشرط عدم التنافي، بل بحيث يكون الأعلى مستوعباً للناقص وزيادة.
النقطة الرابعة: إن طرح السؤال الخاطئ يحرف النصّ عمّا سيق إليه، فلا ينبغي أن نطلب من نصّ تاريخي محض جواباً عن مسألة نحوية، وقد أراد بعض المفسرين اقتباس أجوبة من النّصوص الدينيّة تتّصل بالعلوم التجريبيّة.
مثلاً: تجد شخصاً يريد الجواب عن مسألة كروية الأرض أو تسطيحها، فتراه يتمسك بأدنى ملابسة في الآيات لإسقاط جواب على ما في ذهنه من سؤال، كما وقع بالنسبة لدعوى دلالة قوله تعالى: ﴿والأرْضَ مَدَدْنَاهَا وألْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وأنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ﴾[91]، فإنّ حمل هذه الآية على كونها في مقام البيان من هذه الجهة يؤدي إلى الخطأ في الفهم فتجد من يحمل الآية على أنّها تبيّن التسطيح بدعوى أن المدّ هو ذلك، وآخر يحمل الآية على الدلالة على كون الأرض كروية بدعوى أنّ إطلاق المدّ يستلزم كونها كذلك؛ فإنّ المدّ لو كان مسطحاً لكان للأرض منتهى، ولا يتلاءم إطلاق المدّ إلاّ مع كونها كروية.
والصحيح أنّ الآية في مقام بيان نعم الله تعالى، ويكفي لإدراك النعمة ما نشعره بالحسّ من كون الأرض ممدودة بغض النظر عن كون الأرض كروية أم مسطّحة.
ولله درّه السيّد المرتضىO حين قال: >ومعنى قوله تعالى: ﴿الذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً﴾[92] أي يمكن أن تستقروا عليها وتفرشوها وتتصرفوا فيها، وذلك لا يمكن إلاّ بأن تكون مبسوطة ساكنة دائمة السكون. وقد استدل أبو علي بذلك وبقوله تعالى: ﴿واللهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِسَاطاً﴾[93] على بطلان ما تقوله له المنجمون من أنّ الأرض كرية الشكل، وهذا القدر لا يُدرك[94]؛ لأنّه يكفي في النعمة علينا أن يكون فيها بسائط ومواضع مسطوحة يمكن التصرف عليها، وليس يجب أن يكون جميعها كذلك، ومعلوم ضرورة أنّ جميع الأرض ليس مسطوحاً مبسوطاً، وإن كان مواضع التصرف منها بهذه الصفة. والمنجمون لا يدفعون أن يكون في الأرض بسائط وسطوح يتصرف عليها ويستقر فيها، وإنـّما يذهبون إلى أنّ بجملتها شكل الكرة. وليس له أن يقول قوله تعالى: ﴿الذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً﴾[95] يقتضي الإشارة إلى جميع الأرض وجملتها لا إلى مواضع منها؛ لأنّ ذلك تدفعه الضرورة من حيث إنا نعلم بالمشاهدة أنّ فيها ما ليس ببساط ولا فراش<[96].
والحاصل: أنّ أصل توجه الفهم على أساس ما يطرح من سؤال يراد من النصّ الإجابة عنه أمر صحيح، لكن هذا لا يبرر طرح الأسئلة بطريقة اعتباطية ذاتية لا قرينة عليها؛ فإنّ مثل هذه التوقعات أو القبليات أو الأسئلة الذاتية سوف تحرف النصّ عن مقصده الأصلي، ومن هنا تكمن أهمية ملاحظة الغرض العامّ من نزول القرآن وتحديده.
قد يقال: إنّه قد جاء في جملة من الأخبار أنّ في القرآن تبيان كلّ شيء كالذي روي عن أبي عبد اللهg من قوله: >والله، إنـّي لأعلمُ ما في السّماوات وما في الأرض، وما في الجنّة وما في النّار، وما كان وما يكُونُ إلى أن تقُوم السّاعةُ، ثُمّ قال: أعلمُهُ من كتاب الله، أنظُرُ إليه هكذا ثُمّ بسط كفّيه، ثُمّ قال: إنّ الله يقُولُ: إنّا أنزلنا إليك الكتاب فيه تبيانُ كُلّ شيءٍ<[97]، ومن هنا فلا بدّ أنّ في الكتاب أجوبة عن كلّ الأسئلة التي يمكن طرحها.
قلت: من الواضح أنّ المقصود من كون القرآن تبياناً لكلّ شيء -حيث نؤمن بتلك السعة المذكورة في الأخبار - تبيانه ولو بلحاظ البواطن، وإلاّ فمن البداهة بمكان أنّ ظاهر القرآن - بحسب الفهم المتعارف وما يلقى إلى عامّة الناس - لا يعلم منه كلّ شيء، وقد روى المعلى بن خنيس قال: >قال أبو عبد اللهg: ما من أمر يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصلٌ في كتاب الله عزّ وجلّ، ولكن لا تبلُغُه عقول الرجال<[98].
والمقصود من هذه الأخبار أنّ في القرآن الكريم تبيان كلّ شيء ولو بلحاظ البطون والتأويل، وقد ورد أنّ الله تعالى علّم نبيهe التنزيل والتأويل، فعلّمه رسول اللهe علياًg، قال الصادقg: >وعلَّمنا والله، ثم قال: ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقيةٍ فأنتم في سعة<[99].
ولو تنزلنا عن هذا، فمجرّد كون القرآن فيه تبيان كلّ شيء لا يعني بالضرورة أنّ جواب السؤال المطروح موجود في هذه الآية التي توقع زيد من الناس أن تكون جواباً عن سؤاله، بل قد يكون الجواب في آية أخرى.
القسم الثاني: سياق السورة
القسم الثاني من أقسام السياق أضيق دائرة من الأوّل، حيث تلحظ دائرة السورة كوحدة خاصّة، وقد وجدنا في كلماتهم أصنافاً ثلاثة:
الصنف الأوّل: ملاحظة غرض السورة
أن يتعامل مع السورة على أساسها فصلاً قائماً بنفسه يراد منه غرض معيّن، فتفسّر الآيات على أساس هذا الغرض الفارد، أو قل: يجعل الغرض من إنزال سورة من السور قرينة عامّة في تفسير الآيات.
وقال السيّد الطباطبائيO في أوّل تفسيره: >لكلّ طائفة من هذه الطوائف من كلامه التي فصلها قطعاً قطعاً، وسمّى كل قطعة سورة نوعاً من وحدة التأليف والتمام، لا يوجد بين أبعاض من سورة ولا بين سورة وسورة، ومن هنا نعلم: أنّ الأغراض والمقاصد المحصلة من السور مختلفة، وأنّ كلّ واحدةٍ منها مسوقةً لبيان معنى خاص ولغرض محصل لا تتم السورة إلاّ بتمامه، وعلى هذا فالبسملة في مبتدأ كل سورة راجعة إلى الغرض الخاصّ من تلك السورة، فالبسملة في سورة الحمد راجعة إلى غرض السورة والمعنى المحصل منه، والغرض الذي يدل عليه سرد الكلام في هذه السورة هو حمد الله بإظهار العبودية له سبحانه، بالإفصاح عن العبادة والاستعانة وسؤال الهداية، فهو كلام يتكلّم به الله سبحانه نيابةً عن العبد، ليكون متأدّباً في مقام إظهار العبودية بما أدّبه الله به. وإظهار العبودية من العبد هو العمل الذي يتلبس به العبد، والأمر ذو البال الذي يقدم عليه، فالابتداء باسم الله سبحانه الرحمن الرحيم راجع إليه، فالمعنى باسمك أظهر لك العبودية<[100].
ولا يخفى أنّ القول بوجود وحدة خاصّة فرع إحراز - بعد الفراغ عن القول بتوقيفية جمع السور - كون آيات هذه السورة نزلت دفعةً واحدةً، أو نزلت نجوماً ومتفرقة وكانت نزولها للتتميم الغرض السابق.
ولذلك نجد نفس السيد الطباطبائيO نبّه في أوّل سورة البقرة على ما ينافي كليّة عبارته المتقدّمة، فقال: >لمّا كانت السورة نازلة نجوماً، لم يجمعها غرض واحد، إلاّ أن معظمها تنبئ عن غاية واحدة محصلة، وهو بيان أنّ من حقّ عبادة الله سبحان أن يؤمن عبده بكل ما أنزله بلسان رسله من غيره تفرقة بين وحي ووحي... ثم تقريع الكافرين والمنافقين، وملامة أهل الكتاب بما ابتدعوه من التفرقة في دين الله والتفريق بين رسله، ثم التخلص إلى بيان عدة من الأحكام كتحويل القبلة وأحكام الحج والإرث والصوم وغير ذلك<[101].
وعلى كلّ، فلا إشكال في أنّ تحديد الغاية من نزول سورة من السور -على تقدير وجوده غاية واحدة- من الأمور المساعدة على فهم الآيات، ومن المؤسسين لهذه الأبحاث إبراهيم بن عمر البقاعي الشافعي (م885هـ ق)، وله كتاب: >مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور<.
الصنف الثاني: ملاحظة سياق ترتيب السور
تناسب السور بين بعضها البعض؛ فإنّ من يرى توقيفية ترتيب سور القرآن بهذه الكيفية الموجودة حاول إبراز نكات لترتيب السور بهذه الكيفية، وقد ألّفت في هذا المضمار جملة من التأليفات، من أشهرها >البرهان في ترتيب سورة القرآن< لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي (المتوفى سنة 708هـ ق)، حيث حاول بيان التناسب بين ترتيب سور القرآن.
قال في أوّل سورة النساء: >لَمَّا تضمنت سورة البقرة ابتداء الخلق وإيجاد آدم من أب ولا أم، وأعقبت بسورة آل عمران؛ لتضمنها مع ما ذكر في صدرها أمر عيسىg، وأنّه كمثل آدم في عدم الافتقار إلى أب، وعلم الموقنون من ذلك أنّه تعالى لو شاء لكانت في من بعد آدمg، فكان سائر الحيوان لا يتوقف على ابوين أو كأن يكون كعيسى لا يتوقف إلاّ على أم فقط، أعلم سبحانه بأنّ من عدا المذكورَين من ذرية آدم سبيلهم بسببية الأبوين، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ إلى قوله: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً ونِسَاءً﴾[102]، ثم أعلم تعالى بكيفية النكاح المجعول سبباً في التناسل، وما يتعلّق به وبين حكم الأرحام والمواريث<[103].
وهذا المعنى قد تجده في الجملة في كلمات بعض الأعلام، فقال الطبرسي (م548هـ ق) في بداية تفسير سورة آل عمران: >إنّ الله تعالى لمّاختمَ سورة البقرة بذكر التوحيد والإيمان، افتتح هذه السورة بالتوحيد والإيمان أيضاً<[104].
ولا يخفى أنّ الإيمان بهذا التناسب أصعب من سابقه؛ باعتبار أنّه موقوف على القول بتوقيفية ترتيب السور بهذه الطريقة، وهو أشدّ خلافاً من السابق.
نعم، هناك مسألة فقهية معروفة وهي في عدم الاجتزاء في سورة الصلاة بسورة الفيل وحدها، بل لا بدّ من ضمّ سورة قريش إليها، وكذلك حال سورتي الضحى والشرح[105]، ولا إشكال أننا لو جعلنا كلّ سورتين إلى جنب بعضهما البعض لاستفدنا معنى متصلاً، فليتأمّل قوله تعالى: ﴿أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ ﴿لِإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ والصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾، والمعنى أنّه فعل ما فعل بأصحاب الفيل؛ لأجل إيلاف قريش[106]، لكن هناك قول بكونهما سورة واحد.
وقس عليه حال سورتي الضحى والشرح، فقد قال تعالى: ﴿والضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ومَا قَلَى * ولَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * ولَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * ووَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * ووَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ * وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ ﴿أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * ووَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * ورَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾، ففي سورة الشرح عددت النعم التي أمر الله تعالى بالحديث عنها في آخر سورة الضحى.
الصنف الثالث: تناسب المطالع والخواتيم
للسيوطي رسالة مستقلّة وإن كانت مختصرة، لكنّها فريدة في بابها، بعنوان: >مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع< تُعنى ببيان العلاقة ما بين مفتتح السور وخواتيهما؛ فإنّ المقاطع هي خواتيم السور، وقد جاء في أوّلها قوله: >فإنّ من علوم القرآن العظيم مناسبة مطالع السور ومقاطعها كما أوضحته في الإتقان، وكتاب أسرار التنزيل، وقد صرح بذلك المحققون كصاحب الكشاف، وشيخه محمود بن حمزة الكرماني صاحب البرهان في متشابه القرآن والغرائب والعجائب في التفسير، والإمام فخر الدين، والأصبهاني، وغيرهم. وقد أردتُ بيان ذلك على ترتيب السورة في هذه الكراسة مستخرجاً له بفكري إلاّ ما صرحت بنقله عن غيري<[107]، ثم ابتدأ بسورة البقرة، وكأنّه أعرض عن سورة الفاتحة والمناسبة فيها واضحة فقد قال تعالى في مفتتحها: ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين﴾ وختمت السورة بتفصيل أحوالهم في قوله تعالى: ﴿صِرَاطَ الذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولاَ الضَّالِّين﴾.
هذا، ومن يريد البحث في هذه المسألة وتفاصيلها لا بدّ له من تحديد المقصود من مطالع السور وخواتيهما، وإلاّ فتارةً تجدهم يجعلون المناسبة بين آية في أوّل السورة وآية في آخرها، وأخرى بين الموضوع في أوّل السورة والموضوع في آخرها، فهل هناك ضابط يحدّد المطالع والمقاطع أم أنّ المسألة استحسانية ذوقية؟
وأيضاً لا بدّ من ملاحظة أنحاء المناسبات وإلاّ فتارة يلحظون المناسبات اللفظية كما في الجناس في سورة التوحيد حيث قال الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الله أحَدٌ * الله الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ * ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ﴾، فإنّ الأحد في أوّلها يقصد منها الوحدة المطلقة المستلزمة للبساطة، والأحد في آخرها يقصد منها معنى الجمع، أو مطلق التوافق اللفظي كما في سورة الحشر حيث جاء في الآية الأولى قوله تعالى: ﴿سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ومَا فِي الأرْضِ وهُوَ العَزِيزُ الحَكِيم﴾ وفي آخر السورة جاء قوله تعالى: ﴿هُوَ الله الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ والأرْضِ وهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾.
وأخرى يكون التناسب تناسباً معنوياً ولو كان هذا التناسب بنحو التضاد كما في سورة المؤمنون حيث جاء في أوّلها قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وفي آخرها: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلٰهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾.
وعلى كلّ، فهذا المطلب بشكل عامّ يحتاج إلى بحث مستقلّ، وهو مرتبطة -كسابقه- بالقول بتوقيفية ترتيب الآيات والسورة؛ وإلاّ فلو كان من صنع بشر فلا دليل على قصد الله تعالى لتلك الأمور، ولذا ينبغي أن يكون البحث عن التوقيفية أصلاً موضوعياً في هذا البحث.
القسم الثالث: سياق المقطع القرآني
ونقصد من المقطع القرآني ما هو أخص من السورة وأزيد من آية، وهذا القسم لعلّه أكثر أقسام السياق شيوعاً في كلمات المفسّرين، ولا بأس بأنّ نذكر هنا مثالاً واحداً، فقد قال الله تعالى في قصة نبي الله يوسف g: ﴿وقَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارجِعْ إلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ إنَّ رَبِّي بكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لله مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ العَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ أنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وإنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذلِكَ لِيَعْلَمَ أنِّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ وأنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ * ومَا أُبرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بالسُّوءِ إلا مَا رَحِمَ رَبِّي إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ * وقَالَ الملِكُ ائْتُونِي بهِ أسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾[108].
فبعدما طلب الملك حضور يوسفg عنده، لم يحضر يوسف، وطلب أن يبتّ في أمر تهمته قبل خروجه من السجن، فإنّهg أجاب عن طلب إحضاره بقوله: ﴿ارجِعْ إلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ إنَّ رَبِّي بكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾، فلم يدافع عن نفسه أمام الملك مباشرة، مضافاً إلى أنّه وبعدما حصحص الحقّ أعاد الملك طلب الإتيان به بقوله: ﴿وقَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بهِ أسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إنَّكَ اليَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أمِينٌ﴾، وكلّمه في هذا الظرف أعني بعد البتّ في القضية، وهذا المعنى واضح سواء من نفس الآية أو من سياقها بلحاظ ما جاء بعدها.
لكن وقع الكلام بينهم في تعيين القائل: ﴿ذلِكَ لِيَعْلَمَ أنِّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ وأنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ * ومَا أُبرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بالسُّوءِ إلا مَا رَحِمَ رَبِّي إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، فهل هو نفس يوسف أم امرأة العزيز التي راودت فتاها؟ لا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى السياق كون القائل لهذا الكلام هي نفس امرأة العزيز؛ باعتبار أنّ يوسف كان في السجن من جهة، ومن جهة أخرى قد جاء هذا الكلام بعد قولها من دون فصل: ﴿الآنَ حَصْحَصَ الحقُّ أنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وإنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾، وكما أنّ الضمير في ﴿رَاوَدْتُهُ﴾ راجع إلى يوسف، فكذلك الضمير في ﴿لِيَعلَمَ﴾ وفي ﴿أخُنهُ﴾، والمعنى أنّ امرأة العزيز لم تخن يوسف في غيبته حيث لم يكن حاضراً مجلس القضاء.
نعم، قد يستبعد بعضهم هذا الفهم من جهة أنّه كيف يمكن لامرأة العزيز أنْ يصدر منها مثل هذه التعابير التوحيدية أعني ما جاء في قوله تعالى: ﴿وأَنَّ الله لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ * ومَا أُبرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بالسُّوءِ إلا مَا رَحِمَ رَبِّي إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، لكن هذا شيء آخر، حيث يراد إبراز قرينة لردّ السياق، ولا نريد الخوض فيه هنا، وهناك من وجّه ذلك؛ باعتبار أنّه >لا يبعد أنّ الإنسان حين يرتطم في حياته بصخرة صماء، تظهر في نفسه حالة من التيقظ المقرون بالإحساس بالذنب والخجل... ثم إنّ قسماً من الروايات التي تشرح حال امرأة العزيز في السنين الأخيرة من حياتها دليل على هذا التيقظ والانتباه أيضاً<[109].
وما نريد التأكيد عليه أنّ حمل الكلام المذكور على كونه من كلام يوسفg يوجب اختلال السياق؛ إذ يصير قوله: ﴿ذلِكَ لِيَعْلَمَ أنِّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ وأنَّ الله لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ﴾ تعليل من يوسف في سبب إرجاع الرسول إلى الملك وسؤاله القضاء، والضمير يكون راجعاً إلى عزيز مصر، والمعنى: >إنما أرجعت الرسول إلى الملك وسألته أن يحقق الأمر ويقضي بالحقّ ليعلم أني لم أخنه بالغيب بمراودة امرأته، وليعلم أنّ الله لا يهدي كيد الخائنين<، ثم يكون قوله: ﴿ومَا أُبرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بالسُّوءِ إلا مَا رَحِمَ رَبِّي إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ من جهة التأكيد على أنّه لا حول له ولا قوّة إلاّ بالله تعالى، وهو ما اختاره في الميزان مدّعياً دلالة السياق عليه[110]!
القسم الرابع: سياق الآية
القسم الرابع والأخير هو سياق الجملة والآية الواحدة، وليس فيه شيء جديد، إلاّ أنـّنا نريد التنبيه على مسألتين:
أ- تقديم القرينة الداخلية على الخارجية
تارة ينظر إلى الآية في سياقها ضمن مقطع من المقاطع أي بلحاظ ما سبقها وما لحقها فيحدّد معناها على هذا الأساس، لكن إن نظرنا إلى قرائنها الداخلية كآية يفهم منها معنى آخر، ومقتضى الفهم العرفي تقديم القرائن الداخلية على تلك الخارجية.
مثلاً: قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحَقَّ ويَعْلَمُونَ أنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ الْمُبِينُ﴾[111]؛ فإنّ المقصود من الدين في الآية بلحاظ السياق -حيث الكلام عن يوم الحساب- ليس إلاّ الجزاء، نظير ما ورد في سورة الفاتحة من قوله تعالى: ﴿مالك يَومِ الدِّينِ﴾.
قال السيد الطباطبائيO: >هذا بالنظر إلى اتصال الآية بما قبلها، ووقوعها في سياق ما تقدّمها، وأمّا بالنظر إلى استقلالها في نفسها فمن الممكن أن يُراد بالدين ما يرادف الملّة وهو سنة الحياة، وهو معنى عال يرجع إلى ظهور الحقائق يوم القيامة للإنسان، ويكون أكثر مناسبة لقوله: ﴿وَيَعلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ﴾»[112].
ومثال آخر: قوله تعالى:﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ومَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ الله ولاَ يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ولاَ نَصَبٌ ولاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ الله ولا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ ولاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ * ولاَ يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً ولاَ كَبِيرَةً ولاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ومَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ليَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ * يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ وليَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتّقينَ﴾[113].
حيث وقع الخلاف في النفر الأوّل وأنّه نفر إلى الجهاد أم إلى التفقه[114]، والمهم في المقام احتمالان:
الأوّل: أن يكون المراد من النفرِ النفرَ إلى الجهاد، والمعنى أنّه لم يكن لهم أن ينفروا بأجمعهم في السّرايا ويتركوا النبيe بالمدينة وحده، ولكن تبقى بقية لتتفقه، في ثم تنذر النافرة إذا رجعت إليهم.
أو أنّ المقصود نهي مؤمني سائر البلاد غير مدينة الرسول أن ينفروا إلى الجهاد كافة، بل المطلوب أن تنفر طائفة منهم إلى النبيe للتفقه في الدين، وينفر إلى الجهاد غيرهم.
قال السيّد الطباطبائيO: >ومعنى الآية: لا يجوز لمؤمني البلاد أن يخرجوا إلى الجهاد جميعاً، فهلا نفر وخرج إلى النبيe طائفة من كلّ فرقة من فرق المؤمنين ليتحققوا الفقه والفهم في الدين، فيعملوا به لأنفسهم، ولينذروا بنشر معارف الدين وذكر آثار المخالفة لأصوله وفروعه قومهم إذا رجعت هذه الطائفة إليهم لعلّهم يحذرون ويتقون<[115]، والدليل على هذا المعنى ليس إلا السياق.
الثاني: أنّ المراد من النفرِ النفرُ إلى التفقه، والمعنى ما كان المؤمنون الموجودون خارج المدينة لينفروا إلى المدينة من أجل التفقه كافّة، فهلاّ نفر بعضهم إلى المدينة ليتفقهوا.
وهذا المعنى هو الظاهر فيما لو قصرنا النظر على نفس الآية بقرينة قوله تعالى: ﴿فَلَوْ لاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ حيث فرّع الله تعالى عدم وجوب النفر على الجميع بالحضّ على نفر البعض فمتعلّق النفر واحد، وهذه قرينة داخليّة، ولا يعارضها إلاّ السياق الذي استدلّ به لبيان الاحتمال الأوّل وهي قرينة خارجيّة، فيتعارضان، والعرف يقدّم القرينة الداخليّة على الخارجيّة، فإنّ الكلام الواحد يفسّر بعضه بعضاً.
ب_ ضرب القاعدة يلغي قرينية السياق
قد عرفت أنّ السياق يقيد دلالة الآية ويصرفها إلى معنى خاصّ، لكن ينبغي الالتفات إلى أنّ ذلك لا ينبغي أن يكون مقيّداً لِمَا ظاهر في ضرب قاعدة عامّة، وإلاّ فمن المعروف أنّ المورد لا يخصّص الوارد، ونذكر هنا نموذجين:
الأوّل: قوله تعالى: ﴿مَا أفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أهْلِ الْقُرَى فلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي الْقُرْبَى والْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ومَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا واتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[116]، فإنّ النظر إلى سياقها قد يفهم اختصاص قوله تعالى: ﴿ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ومَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ بالأمور المالية، لكن من الواضح كثرة الأخبار التي استفادت من إطلاق الأمر بالأخذ عن رسول الله وأثبت بها الولاية التشريعية كما في الكافي، باب التفويض إلى رسول اللهe وإلى الأئمةi في أمر الدين[117].
قال السيّد الطباطبائيO: >أي ما أعطاكم الرسول من الفيء فخذوه كما أعطى منه المهاجرين ونفرا من الأنصار، وما نهاكم عنه ومنعكم فانتهوا ولا تطلبوا، وفيه إشعار بأنّهم سألوا النبيe أن يقسم الفيء بينهم جميعاً، فأرجعه إلى نبيه وجعل موارد مصرفه ما ذكره في الآية، وجعل للنبيe أن ينفقه فيها على ما يرى، والآية مع الغض عن السياق عامّة تشمل كلّ ما آتاه النبي من حكم فأمر به أو نهى عنه<[118].
وقرينة هذا العموم يمكن إمّا نفس الروايات أو نفس عصمة النبيe المقتضي لحكم العقل بطاعته.
الثاني: قال الله تعالى: ﴿يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وإنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْألُونَ عَنْ أنْبَائِكُمْ ولَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إلا قَلِيلاً * لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله واليَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللهَ كَثِيراً * ولما رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ ورَسُولُهُ وصَدَقَ اللهُ ورَسُولُهُ ومَا زَادَهُمْ إلا إيمَاناً وتَسْلِيماً﴾[119].
وكما ترى، فقد وقعت آية الأسوة في ضمن آيات الجهاد، ومن هنا قال الشيخ المظفرO: >مضافاً إلى أنّ الآية نازلة في واقعة الأحزاب، فهي واردة مورد الحثّ على التأسي به في الصبر على القتال، وتحمّل مصائب الجهاد في سبيل الله، فلا عموم لها بلزوم التأسي أو حُسنه في كلّ فعل حتى الأفعال العادية<[120].
ويمكن أن يُقال: إنّ ما ذكرهO على فرض احتماله مدفوع بمناسبات الحكم والموضوع، فإنّ العرف إذا رأى قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهُ واليَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾ يعلم أنّ الوجه في كون الرسول أسوة حسنة شخصيّته العظيمة وما فيها من الملكات الحميدة التي على رأسها العصمة، فإن كان الحكم بوجوب الاتّباع موضوعه من كان على خلق عظيم، يعلم العرف أنّ لزوم الاتباع غير مختصّ بمورد دون مورد.
هذا، مضافاً إلى إمكانية الاستشهاد بالأخبار التي طبقت الآية في غير الجهاد، كما في معتبرة الحلبي عن أبي عبد اللهg قال: >إنّ رسول اللهe كان إذا صلّى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند رأسه مخمَّراً، فيرقد ما شاء الله، ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات، ثم يرقد ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات ثم يرقد حتّى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثم صلّى الركعتين ثم قال: ﴿لقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ الله أُسوَةٌ حَسَنَة﴾<[121]، الحديث.
وعلى كلّ، فالحديث عن ضرب القاعدة في القرآن، وضوابط استفادته بحث شيّق يستحقّ إفراده برسالة مستقلّة، والله المسدّد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] آل عمران، 138.
[2] النساء، 82.
[3] البقرة، 56.
[4] الكهف، 29.
[5] الحجر، 91.
[6] الدخان، 49.
[7] مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي، ط 3، مكتبة المرتضوي، 1416هـ ق، ج5، ص188.
[8] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، أحمد بن فارس، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط 1، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم المشرّفة، 1404هـ ق، ج3، ص117.
[9] مريم، 86، لاحظ: الأعراف، 57، الأنفال، 6، السجدة، 27، فاطر، 9، الزمر، 71 و73، القيامة، 30.
[10] ق، 21.
[11] الفرقان، 7، ولاحظ: الفرقان، 20.
[12] القلم، 42، ولاحظ: القيامة، 29.
[13] النمل، 44.
[14] ص 23، ولاحظ: الفتح، 29، وقد تكرر استعمالها في هذه الآية مرتين.
[15] البرهان في علوم القرآن، محمد بن بهادر الزركشي، ط 1، دار المعرفة، بيروت، 1410هـ ق، ج1، ص35.
[16] الإتقان في علوم القرآن، الشيخ عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ط 2، دار الكتاب العربي، بيروت، 1421هـ ق، ج2، ص288.
[17] ويمكن أن يستنبط هذا المعنى من قول السيد مصطفى الخمينيO: >معنى وحدة السياق هو أنّ الجملة المذكورة في أثناء جمل إذا كانت مورد النظر مستقلّة فلها العموم أو الإطلاق، وأمّا إذا قيست إلى ما وقع حولها فلا بدّ وأن يكون مثلها في الخصوصيّة<. ينظر: تحريرات في الأصول، السيد مصطفى الخميني، ط 1، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، قم المشرّفة، 1418هـ ق، ج7، ص45.
[18] إبراهيم، 4.
[19] الشعراء، 192 _ 195.
[20] طه، 113.
[21] يوسف، 2.
[22] الزمر، 28.
[23] فصلت، 3.
[24] الزخرف، 3.
[25] الأنعام، 102 _ 105.
[26] الأنعام، 103.
[27] الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ط 6، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1375 هـ ش، ج1، ص98 و99، باب ما جاء في إبطال الرؤية ح9. والتوحيد، الشيخ الصدوق محمد بن عليّ بن بابويه، صححه وعلق عليه السيّد هاشم الحسيني الطهراني، ط 10، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة، 1430هـ ق، ص112، باب ما جاء في الرؤية ح10.
[28] الأنعام، 103.
[29] طه، 110.
[30] الشورى، 11.
[31] النجم، 13.
[32] النجم، 11.
[33] النجم، 18.
[34] طه، 110.
[35] الأنعام، 103.
[36] الشورى، 11.
[37] الكافي، مصدر سابق، ج1، ص95 و96، باب في إبطال الرؤية ح2، والتوحيد، مصدر سابق، ص109 و110، باب ما جاء في الرؤية ح9.
[38] ينظر: كنز العمال، المتقي الهندي، لا ط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409هـ ق، ج2، ص571 _ 590.
[39] المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ط 2، دار الكتب الإسلاميّة، 1371هـ ق، ج2، ص300، وروي مرسلاً في تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، ط 1، المطبعة العلمية، طهران، 1422هـ ق، ج1، ص11 و12.
[40] الأحزاب، 33.
[41] تفسير العياشي، مصدر سابق، ج1، ص17.
[42] ينظر: البيان في تفسير القرآن، السيّد أبو القاسم الخوئي، ط 1، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم المشرّفة، 1430هـ ق، ص237 - 257، وقد جاء في أواخر بحثه قولهS: >وخلاصة ما تقدّم: أنّ إسناد جمع القرآن إلى الخلفاء أمر موهوم، مخالف للكتاب والسنّة والإجماع والعقل<.
[43] يعني الشيخ المفيدS.
[44] الفصول المختارة، الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، ط 2، دار المفيد للطباعة والنشر، بيروت، 1414هـ ق، ص53.
[45] النساء، 101.
[46] البقرة، 158.
[47] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق محمد بن عليّ بن بابويه، ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة، 1413هـ ق، ج1، ص434.
[48] النساء، 102، الأحقاف، 24.
[49] مجمع البحرين، مصدر سابق، ج3، ص483.
[50] الأعراف، 84.
[51] الأنفال، 32.
[52] هود، 82.
[53] الحجر، 74.
[54] الفرقان، 40.
[55] الشعراء، 173، والنمل، 58.
[56] يوسف، 49.
[57] لقمان، 34.
[58] الشورى، 28.
[59] الحديد، 20.
[60] الأحقاف، 24.
[61] ينظر: جامع البيان في تفسير القرآن تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، ط 1، دار المعرفة، بيروت، 1412هـ ق، ج1، ص207.
[62] النساء، 157.
[63] الأنعام، 148.
[64] حيث استفاض عنهم كون الظنّ في كتاب الله تعالى ظنّ يقين وظنّ شكّ، فلاحظ: تفسير القمي، عليّ بن إبراهيم القمي، ط 3، دار الكتاب، قم المشرّفة، 1404هـ ق، ج1، ص46، وج2، ص79، و295، والتوحيد للصدوق، مصدر سابق، ص267 باب 36: >الردّ على الثنوية والزنادقة< ح1، حيث ورد فيه قول أمير المؤمنين في مقام إعطاء ضابط للتمييز: >فما كان من أمر معاد المعاد من الظنّ فهو ظنّ يقين، وما كان من أمر الدنيا فهو ظنّ شكّ<. وروي أيضاً في الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي، ط1، نشر المرتضى بالأوفست عن طبعة دار الجواد في بيروت، مشهد المقدّسة، 1403هـ ق، ج1، ص250.
[65] النحل، 103.
[66] الشعراء، 193 - 195.
[67] يوسف، 2.
[68] الزمر، 27 و28.
[69] الروم، 27.
[70] شرح أصول الكافي، صدر الدين الشيرازي، محمد، ط 1، مؤسسة الأبحاث الثقافية، طهران، 1425هـ ق، ج2، ص14.
[71] النحل، 60.
[72] شرح أصول الكافي، مصدر سابق، ج3، ص393.
[73] الشورى، 11.
[74] كتاب العين، الخليل بن أحمد، تحقيق وتصحيح الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي، ط 2، دار الهجرة، قم المشرّفة، 1410هـ ق، ج8، ص228.
[75] المحيط في اللغة، صاحب بن العباد، إسماعيل بن عباد، تحقيق محمد حسن آل ياسين، ط 1، عالم الكتاب، بيروت، 1414هـ ق، ج10، ص150.
[76] لسان العرب، ابن منظور، محمد بن مكرم، تحقيق أحمد فارس صاحب الجوائب، ط 3، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1414هـ ق، ج11، ص610.
[77] معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص296.
[78] آل عمران، 7.
[79] الأنعام، 103.
[80] طه، 110.
[81] الشورى، 11.
[82] الحجرات، 13.
[83] المائدة، 27.
[84] تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص94، وقد روي ما يناظر هذا المضمون في الكافي، مصدر سابق، ج8، ص181 و182.
[85] الكافي، مصدر سابق، ج1، ص40.
[86] كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي، ط 1، دار الذخائر، قم المشرّفة، 1410هـ ق، ج2، ص189.
[87] ينظر: الكافي، مصدر سابق، ج2، ص34.
[88] الأنفال، 2.
[89] الفتح، 4.
[90] التوبة، 124.
[91] الحجر، 19.
[92] البقرة، 22.
[93] نوح، 19.
[94] كأنّ مقصوده أنّه لا يفهم من هذه الآية.
[95] البقرة، 22.
[96] أمالي المرتضى غرر الفوائد ودرر القلائد، ج2، ص187.
[97] بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد، محمد بن الحسن بن فرّوخ الصفار، تحقيق السيّد محمد السيّد حسين المعلّم، لا ط، المكتبة الحيدرية، 1426هـ ق، ج1، ص127، وفي ذيل الحديث إشارة إلى قوله تعالى: ﴿ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ كما في سورة النحل، 89.
[98] الكافي، مصدر سابق، ج1، ص60.
[99] الكافي، مصدر سابق، ج7، ص442.
[100] الميزان في تفسير القرآن، السيّد محمد حسين الطباطبائي، ط 2، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1390هـ ق، ج1، ص16 و17.
[101] الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج1، ص43.
[102] النساء، 1.
[103] البرهان في تناسب سور القرآن، أحمد بن إبراهيم الثقفي، ط 1، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، 1428هـ ق، ص91.
[104] مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي، الفضل بن الحسن، الطبعة السادسة، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1421هـ ق، ج2، ص235.
[105] ينظر: وسائل الشيعة، محمد بن حسن الحرّ العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت( لإحياء التراث، الطبعة الثانية، مؤسسة آل البيت( لإحياء التراث، بيروت، 1424هـ ق، ج6، ص54، باب 10 من أبواب القراءة في الصلاة.
[106] ينظر: التبيان في تفسير القرآن، شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، ط 1، دار إحياء التراث العربي، لا ت، ج10، ص413.
[107] مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع، جلال الدين السيوطي، ط 1، مكتبة دار المنهاج، المملكة العربية السعودية، 1426هـ ق، ص45 _ 47.
[108] يوسف، 50 - 55.
[109] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ط 1، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب%، قم المشرّفة، 1421هـ ق، ج7، ص229. وكون هذا الكلام من كلام امرأة العزيز هو الظاهر من تفسير القمي، مصدر سابق، ج1، ص346، وهناك رواية معروفة عن العامّة فيها نسبة هذه المقالة ليوسف مع ما فيها من اتهام له في عصمته%، ينظر: جامع البيان في تفسير القرآن تفسير الطبري، مصدر سابق، ج13، ص2 و3.
[110] الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج11، ص196.
[111] النور، 24 و25.
[112] الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج15، ص95.
[113] التوبة، 120- 123.
[114] ينظر: التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج5، ص321 و322.
[115] الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج9، ص404.
[116] الحشر، 7.
[117] الكافي، مصدر سابق، ج1، ص265.
[118] الميزان في تفسير القرآن ج19، ص204.
[119] الأحزاب، 20 - 22.
[120] أصول الفقه، الشيخ محمد رضا المظفر، ط 5، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرّفة، 1430هـ ق، مج2، ص68.
[121] الكافي، مصدر سابق، ج3، ص445.