قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ

"يا عليّ، أنت وصيّي وإمام أمّتي، من أطاعك أطاعني، ومن عصاك عصاني".

ما هو مصدر ما ينسب إلى رسول اللهe من قوله: >موتوا قبل أن تموتوا


بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الحديث بهذا المتن استشهد به صدر المتألهين (م1050هـ) منسوباً إلى النبيe[1]، ووصفه الفيض الكاشاني (م1091هـ ق) بالحديث المشهور[2]، وتبعه على ذلك العلامة المجلسي (م1110 هـ ق)[3]، والأصل فيه ـ بحسب الظاهر ـ بعض كتب ابن عربي[4]، ولم نعثر عليه في كتبنا الأصلية[5]، وقال العجلوني (م1162هـ ق): >موتوا قبل أن تموتوا: قال الحافظ ابن حجر: هو غير ثابت، وقال القاري: هو من كلام الصوفية<[6].

نعم، ورد في كتب العامّة ما يقرب من هذا اللفظ لكن مع تبديل لفظة >موتوا< بـ>توبوا<، فعن جابر بن عبد الله قال: >خطبنا رسول اللهe: يا أيّها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا<[7]، الحديث.

وروي هذا النصّ في كتب أصحابنا، ففي نصّ الراوندي (م573هـ ق) عنهe: >إنّ الله يقبل التوبة عبده ما لم يغرغر، توبوا إلى ربّكم قبل أن تموتوا<[8]، الحديث، وفي نصّ الديلمي (م841هـ ق): >أيّها الناس، توبوا إلى الله توبةً نصوحاً قبل أن تموتوا<[9]، الحديث، فيحتمل وقوع اختصار وتصحيف في نقل الحديث.

وكيف كان، فتلك الرواية المنسوبة إن قُصد منها الإشارة إلى لزوم قطع العلائق بالأمور الدنيوية والانقطاع إلى الله تعالى كما أنّ الموت الحقيقي عبارة عن انقطاع تعلّق الروح بالبدن، فقد ورد ما يناظر هذا المضمون لكن بعبائر مختلفة عن أمير المؤمنينg، وأنـّه قال: >أخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم<[10].

قال الفيض الكاشاني في معرض استشهاده بهذا الحديث عند بيانه لحديث قدسي ورد فيه: >قال الله عزّ وجلّ: إنّ من أغبط أوليائي عندي رجلاً خفيف الحال، ذا حظّ من صلاة، أَحسَن عبادة ربّه بالغيب، وكان غامضاً في الناس، جُعل رزقه كفافاً، فَصَبَر عليه، عُجِّلَتْ منيته، فقلّ تراثه وبواكيه<[11]،: >الغامض الخامل الذليل، وكأنّ المراد بعجلة منيته زهده في مشتهيات الدنيا، وعدم افتقاره إلى شيء منها كأنّه ميّت، وقد ورد في الحديث المشهور: موتوا قبل أن تموتوا<[12]، فاستشهد بهذا الحديث لبيان أرقى معاني الزهد في هذه الدنيا، والزهد كما في الحديث[13] آية من كتاب الله عز وجل: ﴿لِّكَيلَا تَأسَواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُم وَلَا تَفرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُم[14].

وهذا المعنى قد يعبّر عنه بالموت الاختياري، ففي تفسير الحديث القدسي في خطاب نبي الله عيسىg في ضمن حديث طويل: >رح من الدنيا يوماً فيوماً<[15]، قال ابن القارياغدي (م1089هـ ق): >أي اقطع عنك كلّ يوم من تعلّقات الدنيا حتى لا يصعب عليك فراقها عند انقضائها بلوغ أجلك؛ فإنّ الموت الاختياري أسهل من الموت الاضطراري، وقطع التعلقات بالتدريج أمكن من قطعها فجأة<[16].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] شرح أصول الكافي، ج1، ص359.

[2] الوافي، ج4، ص412.

[3] بحار الأنوار، ج69، ص59.

[4] تفسير ابن عربي، ج1، ص81، ولاحظ: شرح فصوص الحكم،ص130.

[5] تنقسم كتب الحديث ببعض الاعتبارات إلى كتب أصلية وأخرى فرعيّة، والمقصود من الكتب الأصلية تلك الكتب التي ينظر إليها بنفسها، لا بما هي ناقلة عن كتاب سابق كما في مثل كتاب المحاسن وبصائر الدرجات وتفسير القمي أو العياشي، والكافي، وكتب الصدوقين والشيخ المفيد والشيخ أبي جعفر الطوسي (رحمهم الله)، بخلاف الكتب الفرعيّة فإنـّها كتب جمعت تراث الماضين كما هو حال كتاب الوسائل والوافي وبحار الأنوار، ولذا عند النظر في الأخبار التي ينقلها الحر أو الفيض أو العلامة المجلسي (رحمهم الله) لا بدّ من ملاحظة المصادر التي اعتمد عليها هؤلاء الأعلام في نقل الحديث.

[6] كشف الخفاء، ج2، ص291.

[7] سنن ابن ماجه، ج1، ص343، ومسند أبي يعلى، ج3، ص392.

[8] الدعوات، ص237.

[9] إرشاد القلوب، ج1، ص45.

[10] أمالي الصدوق، ص110 و220، وعيون أخبار الرضاg، ج1، ص298، ونهج البلاغة، ص320، والإرشاد، ج1، ص296.

[11] الكافي، ج2، ص140.

[12] الوافي، ج4، ص411.

[13] معاني الأخبار، ص252.

[14] الحديد، 23.

[15] الكافي، ج8، ص132.

[16] البضاعة المزجاة، ج2، ص338، وقريب منه ما في مرآة العقول، ج25، ص317.

مشاركة: