"يا عليّ، أنت وصيّي وإمام أمّتي، من أطاعك أطاعني، ومن عصاك عصاني".
قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ
"يا عليّ، أنت وصيّي وإمام أمّتي، من أطاعك أطاعني، ومن عصاك عصاني".
السؤال:
شيخنا، بالنسبة لرواية موسى بن القاسم عن عبدالصمد بن بشير عبرتم عنها في دروسكم بالمعتبرة أو الصحيحة. ولكن عند التدقيق يظهر أنّ موسى بن القاسم من أصحاب الرضا والجوادh ولم يدرك الكاظمg، وعبدالصمد بن بشير من أصحاب الصادقg ولم يدرك الكاظمg. ولا رواية لموسى بن القاسم عن عبدالصمد بن بشير غير هذه الرواية في الكتب الحديثية.
وذكر ذلك ونبّه عليه صاحب المنتقى فقال: >وهذا الحديث بحسب الظّاهر إسناده من الصّحيح المشهوريّ، وعند التّحقيق يرى أنّه معلّل؛ لأنّ المعهود من رواية موسى بن القاسم عن أصحاب أبي عبد اللهg الّذين لم يتأخّروا إلى زمن الرّضا g أن يكون بالواسطة، وعبد الصّمد بن بشير منهم، وبالجملة فالشكّ حاصل في اتّصال الطّريق لشيوع التوهّم في مثله وفقد المساعد على نفيه<.
ومن المعاصرين صاحب معجم الأحاديث المعتبرة حيث قال بعد إيراد الرواية: >لا أعتمد على رواية موسى بن القاسم عن عبد الصمد وغيره من أصحاب الإمام الصادقg، فهو إما حَذَفَ الواسطة، وهو بعيد، وإمّا يروي عن كتاب عبد الصمد وأمثاله فينقل وجادة أو بإجازة شيخ مجيز، والعلم عند الله<.
فما وجه رد هذا الإشكال ودفع شبهة الإرسال في المقام ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
روى الشيخ في التهذيب بسنده موسى بن القاسم عن عبد الصّمد بن بشيرٍ عن أبي عبد اللهg قال: >جاء رجلٌ يلبّي حتّى دخل المسجد وهو يلبّي وعليه قميصه فوثب إليه أناسٌ من أصحاب أبي حنيفة، فقالوا: شقّ قميصك وأخرجه من رجليك، فإنّ عليك بدنةً، وعليك الحجّ من قابلٍ، وحجّك فاسدٌ، فطلع أبو عبد اللهg، فقام على باب المسجد فكبّر واستقبل الكعبة، فدنا الرّجل من أبي عبد اللهg، وهو ينتف شعره ويضرب وجهه، فقال له أبو عبد اللهg: اسكن يا عبد الله. فلمّا كلّمه، وكان الرّجل أعجميّاً، فقال أبو عبد اللهg: ما تقول؟ قال: كنتُ رجلًا أعمل بيدي، فاجتمعت لي نفقةٌ، فجئت أحجّ، لم أسأل أحداً عن شيءٍ، فأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي وأنزعه من قبل رجلي، وأنّ حجّي فاسدٌ وأنّ عليّ بدنةً، فقال له: متى لبست قميصك أبعد ما لبّيت أم قبل؟ قال: قبل أن ألبّي، قال: فأخرجه من رأسك، فإنّه ليس عليك بدنةٌ وليس عليك الحجّ من قابلٍ، أيّ رجلٍ ركب أمراً بجهالةٍ فلا شيء عليه، طف بالبيت سبعاً، وصلّ ركعتين عند مقام إبراهيمg، واسع بين الصّفا والمروة وقصّر من شعرك فإذا كان يوم التّروية فاغتسل وأهلّ بالحجّ واصنع كما يصنع النّاس<[1].
وهذا الحديث بحسب الظاهر من الأسانيد المعتبرة، لكن استشكل بأنّه حديث معلّل[2]؛ لبُعد رواية موسى بن القاسم عن عبد الصمد بن بشير مباشرة، فقال الشيخ حسنS: >وهذا الحديث بحسب الظّاهر إسناده من الصّحيح المشهوريّ[3]، وعند التّحقيق يُرى أنّه معلّل؛ لأنّ المعهود من رواية موسى بن القاسم عن أصحاب أبي عبد اللهg الّذين لم يتأخّروا إلى زمن الرّضاgأن يكون بالواسطة، وعبد الصّمد بن بشير منهم. وبالجملة فالشكّ حاصل في اتّصال الطّريق لشيوع التوهّم في مثله وفقد المساعد على نفيه<[4]، وهو المذكور في كلمات السيّد أحمد العلويّ العامليS[5].
فالإشكال -على تقدير وروده- ليس إشكالاً في رواية موسى بن القاسم عن كلّ أصحاب أبي عبد الله الصادقg كما نقلتَه عن صاحب معجم الأحاديث المعتبرة، بل مخصوص بمن لم يتأخّر إلى زمن الإمام الرضاg، وإلّا فلا ينبغي الإشكال في رواية موسى بن القاسم عمّن كان حياً في زمن الإمام الرضاg، وإن كان له صحبة مع الإمام الصادقg.
ومن هنا، فسوف نقصر النظر على عبارة الشيخ حسن في المنتقى، وتوضيح الإشكال: أنّ اتصال السند فرع أن يكون >عبد الصمد بن بشير< قد عاش إلى زمن الإمام الرضاg، مع أنّه غير معلوم، بل هو معدود من أصحاب الإمام الصادقg كما في رجال النجاشيS، الذي قال عنه: >عبد الصمد بن بشير العرامي العبدي مولاهم، كوفي، ثقة ثقة، روى عن أبي عبد اللهg. له كتاب يرويه عنه جماعة، منهم عبيس بن هشام الناشري. أخبرنا أحمد بن عبد الواحد قال: حدثنا علي بن حبشي بن قوني قال: حدثنا حميد بن زياد، عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك عن عبيس، عن عبد الصمد بكتابه. وأخبرني أحمد بن محمد بن الجراح قال: حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا حميد بن زياد قال: حدثنا القاسم بن إسماعيل، عن عبيس، عن عبد الصمد بكتابه<[6]، ولم يعدّه البرقي ولا الشيخ أبو جعفر الطوسيT في رجاله إلّا في ضمن أصحاب الإمام الصادقg[7]، وفي الفهرست لم يذكر الشيخ الطوسي إلّا كتابه، وسنده إلى الكتاب الذي يرويه عبيس[8].
وإذا حصل الشكّ في اتصال السند وإمكان ملاقاة موسى بن القاسم مع عبد الصمد، لم يحكم بالاتصال، قال الشيخ حسن: >فالشكّ حاصل في اتّصال الطّريق؛ لشيوع التوهّم في مثله، وفقد المساعد على نفيه<.
إن قلت: مجرّد الشكّ في اتصال السند لا يكفي، بل هو مجرى أصالة عدم الخطأ والاشتباه.
قلت: قد يكون نظره إلى أنّ أصالة عدم الخطأ من الأصول العقلائية التي لا يرجع إليها في موارد الظنّ بالخلاف الناشئ من إشكالية في النُسخ أو عدم تعارف السند.
هذا غاية ما يمكن أن يقرّب به التشكيك في اتصال السند، وبعبارة الطبقات أنّ عبد الصمد بن بشير من رجال الطبقة الخامسة، وموسى بن القاسم من رجال الطبقة السابعة، فهناك واسطة مفقودة في البين.
أقول: مما ينبغي أن نلفت إليه أنّ تطبيق قواعد الطبقات ليس أمراً دقياً، ولذا قد نجد راوياً يروي عن أبي عبد اللهg وعاش إلى أواخر أيام الإمام الكاظمg أو بدايات إمامة الإمام الرضاg ومع ذلك لم يرو عنهما، وعدّ شخص في باب الطبقات من أصحاب هذا الإمام أو ذاك، غالباً يلحظ فيه الرواية عن الإمامg، وإلّا فمجرّد عدّ شخص في طبقة إمام من الأئمةi لا يعني بالضرورة أنّه لم يعاصر غيره من الأئمة.
ومن النماذج الواضح الفضل بن شاذان، الذي وإن وقع التشكيك في روايته عن الإمام الرضاg، إلّا أنّه لا شبهة في أنّه من طبقة الإمام الجوادg، وكان يتحمّل الرواية في تلك الفترة، فروى عن حماد بن عيسى (ت 208 أو 209هـ) صفوان بن يحيى (ت210هـ)، ابن أبي عمير (ت 217هـ)، وله علقة خاصّة بالحسن بن عليّ بن فضال (ت224هـ)، مع أنّ الشيخ أبا جعفر الطوسيS لم يعدّه إلّا في ضمن أصحاب الإمامين الهادي والعسكريh[9].
وعبد الصمد من هذا الباب، فإنّه من أحداث أصحاب الإمام الصادقg، وقد كان والده بشير ممن روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللهh[10]، وقد روى هو عن معاوية بن عمار (ت175هـ) عن أبي عبد اللهg[11]، بل روى عن إسحاق بن عمار الصيرفي عن أبي الحسن يعني الإمام الكاظمg[12]، وعن حذيفة بن منصور الخزاعي -من أصحاب الإمامين الصادق والكاظمh- الذي يروي كتابه ابن أبي عمير[13]، فهو بلا شبهة قد عاش في زمن الإمام الكاظم.
ومما يؤكّد ذلك، النظر إلى من روى عنه، فالرواة عنه هم أمثال:
1. الحسن بن ظريف بن ناصح المعدود من أصحاب الإمام الهاديg[14].
2. الحسن بن عليّ بن فضال (ت224هـ) يعني توفي في زمن الإمام الهاديg[15].
3. محمد بن سنان (ت220هـ)[16].
والحاصل: أنّ عبد الصمد بن بشير حاله كحال كثير من أحداث أصحاب الإمام الصادقg الذين عاشوا غالباً في غالب زمن الإمام الكاظمg، وبعضهم بقي حياً إلى زمان الإمام الرضاg، بل قد تجد - وإن كان لعلّه قليلاً - من عاش إلى زمن الإمام الجوادg كما هو حال حماد بن عيسى، وأمثال هؤلاء لا مانع من جهة الطبقات في رواية من كان صاحباً للإمام الرضاg عنهم.
وموسى بن القاسم من أصحاب الإمامين الرضا والجواد، فهو في طبقة الحسن بن فضال ومحمد بن سنان.
نعم، غالب رواياته عن مشايخ توفوا ما بين 210 و 230 للهجرة كصفوان (ت210هـ) وحماد (ت208 أو 209 هـ) وابن أبي عمير (ت217هـ) وابن أبي نجران (م227هـ)، لكن لا يوجد أيّ مانع من روايته عن غيرهم، وقد روى عن إبراهيم بن عبد الحميد[17]، وهو أيضاً من أصحاب الإمام الصادقg، وقد توفي -بحسب الظاهر- في أيام الإمام الرضا، يعني قبل 203هـ ق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] التهذيب، ج5، ص72 و73.
[2] قال الشهيد الثانيS في الرعاية لحال البداية في علم الدراية، ص97، عند حديثه عن المعلَّل: >ومعرفته من أجلّ علوم الحديث وأدّقها، وهو: ما فيه أسباب خفية غامضة قادحة فيه في نفس الأمر، وظاهره السلامة منها، بل الصحة. وإنّما يتمكّن من معرفة ذلك أهل الخبرة بطريق الحديث، ومتونه، ومراتب الرواة الضابطة لذلك، وأهل الفهم الثاقب في ذلك<.
[3] الصحيح المشهوري هو الصحيح بنظر المشهور حيث يكتفون بالمعدّل الواحد، بخلاف الشيخ حسن الذي يشترط في التصحيح أن يكون الراوي قد عدلّه عدلان.
[9] رجال الشيخ ص390، وص401. نعم، ذكر النجاشيS في رجاله ص307 روايته عن الإمام الجوادg، لكن لا يضرّ بأصل الفكرة التي نريدها، وأنّ الشيخ أبا جعفر الطوسي لم يعدّه إلاّ في ضمن طبقة خاصّة.
[14] كما في رجال الشيخ، ص385، والرواية مثبتة في الكافي، ج8، ص317، والحسن بن ظريف قد يروي عن الإمام الصادقg بواسطة واحدة كما في روايته عن حماد بن عيسى (ت209هـ) في قرب الإسناد، ص15، وقد يروي عن الإمام الصادقg بواسطتين كما في موارد روايته عن ابن أبي عمير كما في الكافي، ج3، ص107.
[17] الكافي، ج3، ص55.